الأحد، 11 ديسمبر 2011

شيء ما ..... يحترق


بالأمس، أيام الصبا كنت أبكي بوفرة محيط متفجر .. تنهمر عبراتي كالشلال الدافق فتعمدني ... ويجتاحني شهيق داخلي عظيم يقترب من الفناء يصاحب الأمواج المتكسرة على صخور ريف العين...اغتسل فيها لأعود طاهرة نقية من أدران الحزن واليبس، فتتحقق لي براءة كاملة من الأحزان .
 أما اليوم فنادرا ما أفلح في سكب عبراتي،  وحين تباغتني وتنهمر في أكثر الأوقات غرابة وإحراجا ودون تحريض منطقي ... فلا أعدو أن أكون مشدوهة العينين .. محدقة في الفراغ .. لا يرف لي جفن .. فيما تسيل قطرات خرساء ملحية تحفر أخاديدها ألأبدية في الروح. ما عادت دموعي تحررني ... هي فقط سكب الأسيد على جرح مفتوح يعمقه ويكويه ... يأكل لحمه فيتجلد ويفقده أي احتمالية للالتئام.... هي احتفالية نُدب الروح . 

الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

حوار


مررتُ اليوم بحوار اقرب إلى مشادة بين صديقين ... هو "العقلاني المتشكك" يسخر بمرارة من ما يتردد من تجلي العذراء للمؤمنين، وهي "المسيحية المؤمنة" تستشيط غضبا وتمتلئ غيظا من السخرية وتورد الكثير من حوادث تجلي العذراء لتثبت صدق وواقعية التجلي وتنفي عنه صفة الوهم. ابتسمت ببلاهة وأنا ارقب سطورهما تتوالى ، كانت الصورة وحشية الوضوح ، هو يحتاج كفره ليقوى على جحيمه الخاص فهو يعلم يقينا أنه إن آمن "بالتجلي" سيركن وتكل قواه عن مقارعة هذه العاهرة المدعوة "الحياة" وبالتالي سيخسر رغبته وقابليته لمضاجعتها وسيواجه موتا داخليا محققا، وهي بعالمها المحصور في ممر ضيق ما بين جدر عملاقة من الأخلاق والشرف أقامها آخرون حولها ، تطمئن نفسها في كل خطوة أن نهاية هذا الممر المعتم الضيق الكريه ستؤدي إلى آفاق رحبة سماوية ، ولتأكيد الأمل وللتجلد على الاستمرار يجب أن يكون هناك تجليات متفرقة على طول الممر... في خضم معركة كل منهما مع الحياة غابت عن كليهما حقيقة أننا فئران في متاهة ... كل منا وضع في لحظة ولادته على أعتاب مسار ما من هذه المتاهة ... وطفق يعدو مرات ويترنح أخرى وربما داهمه التعب ليجلس دون حراك للحظات ... وربما أغراه يأسه بنطح جدران المتاهة حتى دمي رأسه ... تتقاطع مسارات المتاهة لكل منا مع مسارات آخرين .. وبكل غباء نتوقع أن المحطة الشخصية لكل منا في زمن ما من طريق المتاهة يجب أن تتشابه ومحطة آخر نجتازه أو يجتازنا ؟؟؟! ، كيف ؟؟ ... وكل منا قد بدا مشواره من نقطة انطلاق مختلفة في زمن مختلف ومسار شيُد له بالذات لا لغيره ؟؟!!  ...ورغم أننا في لحظة ما نتشارك نفس الحيز المادي – الزمني ولكن هذا لا يستدعي بالضرورة مشاركة الحيز الروحي أو المعنوي سمه ما شئت.

أسلاف .... وصديقة


أملك نظريتي الخاصة عن علاقتنا بالمحيط حولنا ، فعندما تأملت ما يحدث منذ لحظة الولادة للجنين أيقنت أنها هي نفس لحظة بداية فناؤه ، لحظة الميلاد ... هي بداية سلسلة انفجارات الكوكب – الإنسان ، منذ أول صرخة يطلقها المولود يتناثر بعضه  شظايا تلتصق بما حوله ومن حوله ويبدأ رحلة الفناء ، وبالمقابل يتلقى شظايا متناثرة من كل من يعيش في محيطه فتلتصق بكينونته .... نتبادل الشظايا لنعود ونرسل جزء منها خلال الانفجارات اللاحقة. وتيرة الفقدان والهدم بالتاكيد أسرع من وتيرة الاكتساب في عالم التشظي وفي يوم ما لن يبقى ما يشعل فتيل انفجارات وسيذوي الجسد ليعانق الفناء الكامل.
صديقتي، غضبت مني لاستخدامي بعضا من جمل والدتها الأثيرة في بعض ما أكتب، قررت هي بأحقية علاقة "الدم" أنها لا تعطيني الإذن باستخدام مفردات وأقوال درجت والدتها خلال حياتها على استخدامها. كانت الصديقة قد فعلتها قبلا وحاولت أن أتبين منطقها في الرفض فلم استنتج  سوى أنها ترى والدتها وذكراها كملكية خاصة !، واحتراما لعمق العلاقة آثرت عدم استخدام هذه الجمل ونسيت الموضوع برمته حتى الأمس حين عاودني الحنين فكتبت وهي كررت نفس رد الفعل.
عفوا يا صديقة، ولكن من أعطاك الحق في التحكم بروحي وما التصق فيها من شظايا سواءً من والدتك أو من غيرها ؟؟ ، ألا تعلمين بعد أننا لا نملك الأسلاف والآباء ولا نملك الأبناء ؟؟ ، ألا تعلمين أننا مجرد ممرات للقادمين الجدد إلى هذه الحياة ... ونحن بدورنا وصلنا هنا عبر ممرات أسلافنا ؟؟ ، من الذي أوحى إليك أن الأم التي تعرفين هي ذات الشخص الذي أعرف ... ألم يتبادر لذهنك ولو للحظة أنني عانقت منها جانبا لم تعرفيه فيها ؟؟ وماذا يضيرك أن تري حبيبا يتجلى بعيون آخرين ؟؟
لا أفهمك ... ولا أعتذر ... ولن أعتذر.

حياة


أكرر لنفسي جملة قرأتها في رواية ما "لقد سقطت على وجهك في الجحيم، وعليك أن تصنعي أفضل ما في ذلك"، هذا ما فعلت وهذا ما افعل. ، لا أخفي اهتمامي واحترامي الخاص لكل من سقطوا في الجحيم وصنعوا أفضل ما يمكن دون استعراض القوة والصلابة وبالمقابل دون استجداء الدعم أو المساندة... والأهم دون إخفاء للتشوهات والمرض الذي يعتريهم خلال الاحتراق المقدس ... دون اصطناع الحكمة والوعي بأن القفز إلى براكين الجحيم كان قرار متعمدا منهم  ... ودون الشعور بعقدة التفوق الأجوف على آخرين يعيشون على مقربة من فوهة البركان ولا ينزلقون إليها...  أحتفل بالصدق الحقيقي دون ميلودراما أو خجل مبتذل. 

رسائل غير مرسلة


قررت منذ اليوم تدوين جميع ما يجول بذهني مهما بدا سخيفا أو فارغا، مهما كان جارحا أو مريضا ... مهلاً ، فليس الهدف إتحاف الدنيا بحكمتي اللامتناهية ولا سرد تجاربي العرمرمية ليستفيد منها النشء ... كل ما هنالك أن هاجسا يتملكني بأنني انزلق يوما بعد آخر إلى ثقب اسود يلتهمني ... هاجس إصابتي بمرض "الزهايمر" ، هذا الحقير الذي يلتهم دماغك ويلغيه ليتركك دون ذاكرة أو تحكم أو وعي...  جسد تائه ... لا يبقى منك سوى هذا الجسد .. لتصبح دون إرادة منك خنجر يغرز يوميا في خاصرة حضور الأحباب وحياتهم.. حتى دون أن يملك هذا المرض - العدوان شفقة الموت الفيزيائي ورحمته الذي يغيب أحبابنا كأجساد ويبقيهم كذكرى وحضور. تحسبا لهذا الهاجس اترك بعضا من ذاتي حتى تؤنس من سيتورط من الأحبة برعاية الجسد الفارغ من الإنسان. 

الاثنين، 14 نوفمبر 2011

محطات في الجحيم


من الجحيم بدأنا… والى الجحيم نعود، هذا ما يتبادر الى ذهني بعد كل"مشوار" يختطفني غصبا في زيارة حميمة الى الجحيم . لا أعلم كيف انتقل هناك وبأية وسيلة ، كل ما أعلمه اني أفتح عيوني فجأة وبدون سابق إنذار، لأجد نفسي في منطقةٍ ما من الجحيم المشتعل يأسا واحباطا وضنكا. تتراكم تلك الجبال الهائلة المقيتة من القنوط والعجز لتجثم على صدري ....يا لهذا الجحيم الإنساني كم هو متنوع ، لزج ، متعفن وحقير!.

كما في كل "مشوار" ، انتابني ما يشبه الإغماءة بما لا يتجاوز زمن طرفة عين استفقتُ منها على صوت شهيقي المدويً وأنا اتشبث برغبتي في الحياة واكافح للحصول على بعض الهواء لينعش رئتيَ المنسحقتين. أتوانى عن الحركة لحظياً ويبدأ جسدي المصعوق بالتماسك التدريجي ،تتوارى الزغللة في العيون ويتباطأ رأسي عن الدوران فيما ينساب بعض الهواء الى داخل جسدي المرتعش .. وأبتعد تدريجيا عن اختناقي المحقق .. المح طيفا يبرز من الضباب الرمادي المقيم.

أتحرك بخطىً وئيدة مترنحة ... اقترب شيئا فشيئا من الطيف ليتبدى سيدة تجلس على مقعد خشبي . يتهالك جسدي المرتعش على المقعد بجانبها بمجرد بلوغي له. هي سيدة في نهاية العقد الثالث من العمر، ذات نظرات ثاقبة وحضور آسر ينبأ عن شخصية متفردة.. هالة من الكبرياء تحيطها تجذبك اليها قسرا. تجلس مستقيمة الظهر مرفوعة الهامة بامتشاق ،وترتدي حلة رسمية في منتهى الأناقة تنبأ عن طبيعة متحفظة دقيقة وصارمة.
 تلاقت أعيننا في نظرة طويلة متأملة .. بادرتني بعدها بتنهيدة حارقة ، فيما حولت ناظريها عني وحدقت في الأفق بصوت عميق هاديء وكأنها تتابع حوارا بدأناه معا عبر ازمان فاتت ، قالت : توفي والدي وأنا بعد صغيرة ..كنت قد شارفت على سنتي العاشرة من عمريَ الغض ... لا أعرف هل كانت أمي بنفس هذه القسوة مسبقا ووجود والدي هو الذي كان يكبح ظهورقسوتها ،أم أن مصيبة وفاة والدي الذي تركها سيدة شابة وحيدة ومسؤولة عن أعالة خمسة من الأبناء وتربيتهم هو ما فجر فيها تلك القسوة العجيبة.
تابعت بصوت يغزوه الفخر والإعجاب ، كان والدي يعمل معدا للبرامج الإخبارية في الإذاعة في فترة الستينات، رجلا مثقفا يعتني بأناقته الى أبعد الحدود وذو شخصية اجتماعية وحضورملفت، فيما كانت أمي أرملة شابة ترملت عروسا دون أولاد ... ولسبب خفي ما فقد قرر المثقف المتألق الزواج من الأرملة الشابة ....
صمتت محدثتي وشردت نظرتها بعيدا، كأنها تسترجع مشهدا غائرا في الذاكرة ثم التفتت الي وتابعت بنبرة المحلِل:من الواضح - ان علاقتهما - كان هناك ما يشوبها فانا لا أتذكر طوال حياتي أنهما تلامسا بطريقة ودية ، أو تهامسا كزوجين ... كانت علاقتهما تبدو لي سعي مستمر من والدتي لإثبات جدارتها وتعويضه عن إختياره لها دونا عن باقي العذراوات لتحمل لقب زوجة المثقف (الجائزة) وتجاهل مستمر من قبله لمشاركتها حياته فهو قد خلع عليها" زوجة المحترم" فماذا تريد اكثر من ذلك؟؟!.

(ما أن اكمَلت السيدة كلمتها الأخيرة حتى لاح مشهدا بدا لي وكأنه خشبة مسرح متحركة ، لاح بعيدا وصار يتقدم رويدا رويدا حتى تميَز المشهد أمامي بكامله ، سيدة طاغية الأنوثة سادية الجمال تلبس ثياب نوم انيقة رفيعة الذوق وتعتلي سرير تقف عليه منهمكة رقصا ، تتمايل يمنة ويسرة ونظرها معلق بالشخص الجالس أمامها، تنظر اليه متبتلة، آملة ... بدت نظراتها متشبثة به وترجوه كمؤمن يتعلق بأستار الكعبة يناجي ربه.


هو رجل مهيب وسيم القسمات ، أنيق يجلس قبالتها على مكتب وثير ويقرأ وريقات يحملها بيده وينفث دخانه من "البايب" ، يلتف من وراء المكتب - يقف قبالتها- يلتقط سماعة الهاتف وتنطلق منه همهمات وضحكات متقطعة ، ينظر نحوها مباشرة. فتزيد هي وتيرة الرقص – الأمل ، علً وعسى، تعبُرها نظراته باردة محايدة وكأنها هواء شفاف ... يحدق فيها ولا يراها !


اكتشفت خلال تواجدي "مشاوير الجحيم" اللعينة هذه ، أنني امتلك شفافية خارقة فتستحيل روحي اسفنجة تمتص آلالام من التقيهم تتجسد في وجداني وتتقمصني فأتشكل مرآة حية تعكس كل مشاعر الالم والحسرة التي تعتري هذه الارواح المعذبة . تملكتني حسرة السيدة – الأنا في المشهد ،واستحالت طعنات حادة متلاحقة تمزق هذا الشقي القابع في صدري ... يجتاحني إعصار من الإنكسار والذل والعار ، تتمركز بؤرته في جسدي فيغوص في أعماق الأرض . جرحت حنجرتي آه وحشية الألم وتذوقت خيبة بطعم المر والحرقة تكوي كياني ، ما أقسى أن تبذل روحك وجسدك قربانا على أعتاب أحدهم ، فيبصقك !!)


انتشلني من دوامتي صوت محدثتي رخيما متوازنا تتابع حديثها وكأنها لم ترى معي ذلك المشهد الماثل في صحراء الروح ، مع تسلل صوتها وحروف كلماتها الى أذني .. كان المشهد يضمحل ويتبخر أمامي كخيوط دخان متصاعدة ... التفتُ اليها اسائلها بنظرة استهجان عاصف وأوشكت أن أنطق : ألم تشاهدي ما شاهدت ؟؟!!! ... ماتت الأحرف على لساني ... قسمات وجهها ونظرتها توحي أنها لم تشاهد تلك الأطياف ، وأن جرعة الألم الجحيمية كانت خالصة لي .. ولي فقط!!


تابعت محدثتي :
تفاجأت والدتي بصفعة قدرية تقتل أملها الأزلي بأن تتحق كشريكة حقيقية لحياته... اختطفه الموت وتركها وقد تعلق برقبتها خمسة من الأبناء كنت أنا أكبرهم ، وبحكم أصل والدتي الريفي فقد صار لزاما علينا تواجد جدتي والخالات والعمات المتشحات بالسواد في بيتنا وتدخلهم بحيثيات حياتنا كي لا تترك والدتي العزباء وحيدة ويحدث ما لا يحمد عقباه. فأسلمت هي زمامها لدورها المأمول والمرسوم من قبل المجتمع لتكون آمر السجن – الحامي لأولادها بالقسوة والجبروت ، فكما تعلمين يجب أن تُظهرالقوة والقسوة في تعاملها مع الجميع كي تقنعهم بجدارتها و أمانتها في تولي شؤون بيتها وحماية "اليتامى" من الإنحراف.
وعليه فقد كان أول قرار لمجلس إدارة العائلة المسكون بهاجس "الشرف" هو ختاني شخصيا ، فكانت همسات وكلمات تطرق مسمعي ولا أعيها ... الطهارة واجبة للبنت ، بنتك كبرت !.


بحركة لا ارداية هبطت كف يدي على فرجي تحميه ، ختاااان !!! ... يا إلهي !!! ، إلتوت قسمات وجهي امتعاضا وألما وهذا الخاطر يعبر ذهني ... الآن ساشعر بالالام بتر جزء حميم من جسدي ؟؟! ، ما الذي يحدث لي ؟؟؟! ، لماذا أمر بهذه المشاوير الجحيمية واختبر جميع أنواع عذابات البشرية ؟؟!!!!! ، تمنيتُ أن تصمت السيدة وتجنبني هذا الألم. صوَبتُ نظري لشفاه السيدة المتحركة .. مبتهلة .


شفاه السيدة تتحرك بالصمت ، لم أتمكن من سماع صوتها!! ... تبا !! ... أنا احلق في الهواء ، قوة هائلة تمتصني لاسبح في مسار لولبي لما يبدو انها دوامة دودية مضيئة، والسيدة قبالتي تبتعد صورتها شيئا فشيئا حتى تلاشت تماما ،غمرني هذا الضوء المبهر وأجبرني على الإغماض.


تقدمي ... لاتخافي ... هو جرح بسيط وسيبرأ سريعا !


فتحت عيوني مستطلعة ، أرقبُ مصدر الصوت لأرانيً أمامي طفلة.. فزعة ... مموجة الشعر ذكية النظرات، أحسست بيدين تقبض ذراعيً بشدة وتقودني ، تكاد قدميً لا تحملني فأخطو خطوة ولا اقوى على إتباعها بإخرى تتقاطع ساقيً بفعل الرعب المسيطر فاُشلَ .. تسندني اليدين لتنقل خطوتي قسرا. رفعتُ وجهي لأميز الأشخاص اللواتي يحملنني بهذا الشكل فميزت أمي وجدتي ...لا؟؟!! .. أمها وجدتها .. يا للجحيم أنا هي!


كل منهما تقبض على ذراع ... وأُساقُ كما البهيمة للذبح ... لابد أن ينثر على مذبح "الشرف" بعض دماء الأضحية .. لتكتمل الشعائر... وتنطلق زعقات النصر والفتوة ...عندما ينجح مجتمع "الشرف" مرة أخرى في سلب طفلة جديدة موطن شهوة قد يعرضها في يومٍ ما للتجاوب مع الغواية.

عبرن بي باب الغرفة ، تنتصب طاولة خشبية في وسطها، حاولت أن اشيح بنظري عن الطاولة- المذبح فلم ترى عيني الا سواد جلابيب الواقفات كسره لون ابيض يتقدم نحوي .. هذا اذن ساحر القرية – الطبيب يتقدم ليكمل مراسيم التضحية . تعاون ثلاثتهم على حملي وألقيتُ على ظهري على عجل كما تكبُ البهيمة ، سارعت نسوة السواد لتلتقط كل منهن ذراع او ساق ، ثُبتت أطرافي الأربعة وشُدت كل ساق الى أقصى جانبيَ الطاولة المتقابلين لتنفرج الفخذين وتبرز المنطقة المحرمة ... سارعت والدتي برفع ثوبي حتى أعلى وسطي ... تمددتُ هناك ... مكشوفة ... عارية .... مقيدة ....عاجزة ...ممتهنة ومنتهكة حتى النخاع !

تملكني جزع خرافي فيما لمع انعكاس المبضع في الشمس أمام عيني وهوت يد الساحر نحوي.... أحسستُ بطعنة تمزق فرجي ... انتفض جسدي كما تنتفض دجاجة ذُبحت للتوٌ... ألم دام للحظة واحدة فقط .. ثم اختفى ... وحلت السكينة البكماء مكان جزعي ورعبي الوحشيَ... ما عدت أشعر بأي ألم فيما انسابت دمائي الدافئة على باطن فخذي ... يا للعجب !! ... انفصال تام عن هذا الجسد المطعون ... سكن الجسد .... وطغى على احساس الألم مذاق مرار مكرر... علقم .. مذاق أميزه جيدا ... طعم القهر.

فيما استولت عليً حالة من الصدمة غادرتني الطفلة المنتهكة للحظات ، تقدمت نحوي ... حدَقت في عيوني بإصرار .... راقبتُ بعجب نيران شبت متوقدة في عيون الصغيرة ... تراجعتُ خطوات قليلة فيما استحال جسد الصغيرة شفافا وتحولت عروق اقدامها جذورا وامتدت فروعا مورقة في سائر الجسد ... خضراء يانعة ... رمقتني بنظرة مطمئنة ، ابتسمتْ ، فيما تحول وجه الصغيرة الى وجه السيدة أمامي وقالت : من عمق القهر ينبتُ التحدي.

جلجَلت ضحكة رنانة في سمعي ، نبهتني لأرى السيدة على المقعد بجواري تتابع حديثها بهزل وسخرية : الأغبياء !! ... يبدو أن الطبيب كان جراحا فاشلا، فلم يثمر ختاني هدفه من اقتلاع الشهوة ، فما زلتُ رغم ما حدث انثى بكامل شهوتها.

عدت ُ إلى نفسي وما أزال مهزوزة الأركان ، مرتعدة الفرائص وثقل يغلف روحي فيلفها لفا .... يحاصرني ضجيج أنفاسي عالية لاهثة ، وصوت دماءي هادرة مندفعة تضرب عروقا شارفت على الانفجار و قلب يدق كأعنف طبل افريقي وجد منذ الأزل، زحام من المشاعر المتناقضة يتدافع ، فيض من الأفكار والتساؤلات المتلاطمة تجرفني فلا استطيع الفكاك .... من هذه السيدة ؟؟؟! ، كيف تستطيع أن تتعاملَ مع أحزانها الخاصة بكل هذا الحياد ؟؟! أن تقلًب صفحات عمرها بكل هذا الاتزان ؟؟ ، فيما أنا لم استطع التقاط أنفاسي منذ وصلت ، وهي تتقاذفني ككرة "يويو" لعينة فتطلقني الى مستنقع احزانها تغمسني وأرتد ... لتعود وترسلني في كرَة جديد ة وبسرعة خاطفة!!

في الحياة .... نعم ... قد تتقاطع حياتنا وآخر نمتطي موجته في بحر الحزن المنسي ، نعتلي لججه ونعانق انكساراته ... نعلو ونهبط ... فنتذوق وجعه ونتسربل بأحزانه . ولكن الحزن – كما أراه – ملكية خاصة لا تملك أن تقتحمها دون إذن من مالكها ... قصرعظيم ضبابي مسحور... يخفيه صاحبه بتعويذة الأيام ... وقد تُكسر التعويذة ... في وقت ما .... من شخصٍ ما ... لسببٍ ما ... فيتجلى القصر المسحور وبوابته المغلقة ... ولكن الشيء المؤكد أنك يجب أن تطرق بابه ويأذن لك سكانه لتملك مفتاح الولوج وأنا ما فككتُ طلسما ولا طرقتُ بابا ... أو... لعلَي فعلت ؟؟؟؟!!!.

آآآآآآآآه كم أنا مرهقة ، مضطربة ، ومشوشة .... كم أتوق لاتحرر من خيوط العنكبوت التي تُغزل حولي لتخلق صورة ... والصورة اللعينة لمَا تكتمل. تائهة في دهاليز الأسئلة المبهمة ..... معلقة في الفراغ ... فرت زفرة مرتعشة من شفاهي ... متقطعة مبتورة... خاطبت نفسي بحزم : أنا أحتاج بعض الوقت لإلتقاط أنفاسي. قاطعت ُ ذراعيَ حول صدري أحتضنني ثم أسندتُ رأسي برفق على كتف المقعد الخشبي فيما أسبلت عيوني وشعور موحش بالعزلة والإغتراب ينهشني.

آآآآه ، كم أتوق لبعض السلام ... استجديه.... أسعى وأهرول مدى زمني كله وراءه.... أبحثُ عنك أيهذا الترياق العجيب.

غبت ُعما حولي لثوانٍ معدودة وهدهدتني ما يشبه سِنةٌ من النوم ... هدأت خلالها العاصفة الهوجاء في رأسي وانتهت لتخلِف وراءها ضحضاحا صغيرا، رقراقا يعكس في صفاءه زرقة السماء المنتعشة وطيف غيمة قطنية بيضاء .عبق الهواء النظيف المغسول يتسرب ويدغدغ أنفي ...تتشربه مساماتي... وسكووووون .... لا شيء أكثر.... ليتمجد الإله على نعمة التبلد !!

لا أدري كم من الوقت انقضى قبل أن أفيق على شعاع شمس حنون يربت على خدي وصوت رفرفة رقيق يغازل مسمعي ... شققتُ عيني الكسلى بصعوبة لتلتقط أمامي صورة قبَرة ترفرف في الهواء وتحط على فخذي ... تتنقل بخفة الى ركبتي وتدير رأسها الصغير لتمسد ريش عنقها بمنقارها بخفة وجذل . اهتز وجداني وطربتُ لمرأى الطائر الصغير ... راودته بحنين ... مددتُ يدي نحوه بلطف .. رفرفت القبرة في قبول واضح لدعوتي ... انتقلت لتهبط على يدي فيما ارتفعت يدي بمواجهة عنقي لأتأمل هذا المخلوق الجميل ... بادلتني القبرة الإعجاب بنظرة مودة وألفة وكأنها تناجيني ... همستُ لها : ما الذي أتى بك لهذه القفار يا صغيرة ؟؟

فيما أداعب المخلوق الجميل وأحاول تناسي الوضع الملتبس الذي أعايش ... وقبل أن أتكيف على المكان – الحكاية ، اجتاحتنا ريح عاصفة شديدة... هبت فجأة من اللامكان ...... تغير ملامح وجهي وتشكله كما ترغب ... بجهد كبير تمكنت من دس القبرة عبرعنق ثوبي لأحميها في صدري وتشبثتُ بالمقعد الخشبي لأمنع الريح من اقتلاعي ... دووووون جدوى ! . حملتني الريح بخفة كورقة شجر خريفية ... تلاعبها - انقضى موسم السكون بسرعة !! - سلمتُ جسدي تماما لهذه الريح الدافئة تحملني في رحلة المجهول ... استسلام ما بعده استسلام ... تمتمت لنفسي : -ما تقذفه السماء ستتلقاه الأرض !!- لم يكن ليَ هم وأنا أسبح في التيار الجارف الا الحفاظ على الطائر الصغير الملتصق بقلبي ... وليكن مايكون.





حملتني رحلة صاخبة من المسارات اللولبية المتلاحقة المتسارعة متتابعة الانخفاض والارتفاع ... دوامة عنيفة ... تمتص الكون وتلفظه في لحظات ...في خضم هذا الجنون المقيم ... ابتسمت في سري ... تذكرت نكتة الصرصور الذي قذفه حظه العاثر في خلاط كهربائي .. أنا ذلك الصرصور!!





..... ما عاد يهمني ... ساستمتع باللحظة وأمتطي الريح حتى تقذفني من على ظهرها كمهرة شموس !.... ايييييييييييييهاااااااااا.

بدأت فورة الرياح بالهدوء تدريجيا ... فيما انخفض الأرتفاع شيئا فشيئا بلطف وارتخت قبضة الرياح عن جسدي ... بدأت أرى معالم مدينة ؟ ... مآذن جميلة ... وبنايات أثرية ذات معمار اسلامي قديم بالغ الروعة ... يقوم بجانبها عمارات ذات طوابق متعددة تنسب الى المعمار الحديث ... ما زلت أقترب من الأرض وأنا مفتونة بعبق التاريخ... هذه "الحارة" أرض حقبات تاريخية متعددة تطل براسها لتوميء لك من جدران البنايات تحدثك بما مر عليها ... يزداد الانخفاض فتتضح الشوارع والأزقة ... وأصوات الحارة ترتفع بناسها ... كل مشغول بشأنه ... من يبيع ومن يشتري ... كل الأعمار .. والكثير من الأطفال . أخيرا ، انفرجت كف الريح بحنو بالغ ... وفردت لي الأرض كقطعة مخمل تحت أقدامي ... لأقف بشيء من الترنح ونشوة الريح تزغرد في دمي .

في أول فعل إرادي أقوم به منذ رحلة الطيران الجبري التي اختبرت ، تحسستُ نبضات قلبي ابحث بين دقاتها عن القبرة الصغيرة ، لكنها افلتت مني ورفرفت أمام وجهي لتستقر على الأرض طفلة صغيرة ... هي ذات الطفلة – السيدة . فردت الطفلة قامتها قبالتي ونادتني بعيون تتكلم وتبوح ... مدت يدها برفق لتمسك يدي وتقودني بحركة عفوية... وأنا ... تتملكني مشاعر التهور واللا جدوى ... تبعتها وبكل ود.




أسرعت طفلتي خطاها تتفلت مني وانطلقت كالسهم تعدو في خطوط متعرجة تتجاوز فيها المارة بحذق وثقة من يعلم وجهته ويستعجلها. حثثت الخطى لأتمكن من مجاراة الصغيرة وأتتبعها بنظري كي لا تضيع مني، فيما اخترقَت هي تجمعا من الأشخاص وذابت بينهم ....


هرولتُ وراءها متلفتة ابحث عنها فيما أفرق الأشخاص المتجمعين لأصل إلى قلب التجمع ... وفي وسط الحلقة كانت تقف هناك ... مطأطئة الرأس، منكمشة الجسد ،ممتقعة الوجه ، وسيدة ذات وجه كالح تنفث سمومها وتلقي كلماتها بصراخ مكتوم وجسد لا يتمالك نفسه من الانفعال والسخط مخاطبة الصغيرة : أيتها الشقية الفاجرة ... كيف تسمحين له بلمسك !!! ، هذا ما تفعله العاهرات ، تسير في الطريق تدعو المارة إليها بوقاحة نظراتها وميوعة حركتها !!!


وقفت صغيرتي .... وحيدة..... هشة، تلتهمها نظرات الفضوليين كفريسة أحيطت بالضباع ، يقتاتون ضعفها ويستمرئون إحراجها ، يتغامزون فيما بينهم فيما لمعت في أعينهم شهوة الصياد الذي لمح صيدا نادرا لتوَه. تمتمت الصغيرة بصوت مخنوق متوسل: أنا لم أفعل شيئا ... قلت لك هو من تبعني .. أرجوك يا أمي أليس بالإمكان متابعة حوارنا بالمنزل ؟ .. المارة تتخذنا فرجة.
صاحت السيدة: وتتجنبين الفضيحة الآن أيتها العاهرة ؟ ، لماذا لم تتجنبيها قبلا؟! ، وكيف تسمحين لهذا الوغد الصغير بلمسك ؟!!. وأضافت وكأنها تحدث نفسها: الجميع يعلم أن المرأة هي التي تسمح أو تمنع حصول هذه الأفعال الدنيئة معها .. ولا يمكن أن يتجرأ أحدهم ويلمسها إلا إن رأى منها ما يشجع ، وأتبعت جملتها بصفعة رنت على وجنة الصغيرة بقوة حركتها من مكانها، انخلع قلبي لمرأى الصغيرة تمتهن وتكسر أمام ناظري ... قفزتُ منتفضة لأصل الصغيرة في خطوة واحدة، أحتضنها وأحميها من هذا التشويه الحقير.... لأفاجأ بجسدي يطفو عبر جسد الصغيرة دون أن تشعر بلمساتي وأنا أحاول احتضانها، ما كنتُ سوى طيف يشهد ويراقب ليس إلا !!!...
تسمرتُ في مكاني يقتلني ضجيج الصمت الآثم ، طغى ضباب كثيف ملأ جنبات روحي ، لا أقسى من أن تلمس انكسار روح فتية وتعاين رؤيا العين تجبر ثقافة الخائف المنهزم تسحق كينونة إنسان يتكون لا يزال، ولا تملك ما تواجٍه به إلا سخطك الداخلي فتنغلق إرادتك بعجزك.. تباً لثقافة الانهزام، حين يتحول الحامي إلى جلاد، وحين يقدمك هذا الحامي الجبان كقربان على مذبح الأخلاق المصطنعة والشرف العاهر ... حين يفقد الصغير اقرب وأعظم حليف طبيعي له ... والديه !!
صرخت السيدة المنهزمة لطفلتي : اتبعيني أيتها الفاجرة ، وانطلقت مسرعة تطوي الممر الضيق فيما تجمع فحول الكون صفين على جانبي الممر ... تحركت طفلتي لتتبع السيدة المنهزمة فيما غافلها ذات الصبي الشره ليعتصر نهدها الغير مكتمل النمو . انفرجت شفاه الصغيرة في محاولة لإطلاق صرخة استياء خرساء ... نظر الصبي لصغيرتي نظرة تهديد ورفع سبابته وأغلق بها شفتيه فيما أشار بيده الأخرى إلى السيدة المنهزمة ... في إشارة تهديد واضحة: اصمتي وابتلعي ما جرى وإلا أخبرت السيدة المنهزمة !!

في مشهد يبدو كأنه اقتطع من مسرح البولشوي بدأت حلوتي مشوار الآلام والعذاب الصامت فيما انهمرت دموعها تتساقط في شقوق المربعات الحجرية التي تشكل الممر الضيق فتنبت مكان كل دمعة زهرة - زهرة النرجس على وجه الدقة – تمشي فتتخطفها أيدي فحول الممر ، كلٌ يتحسس ويعتصر ما تصل إليه يداه ، ثدي أو ردف ، فرج أو فخذ ، بنظرات وقحة واثقة بأن الصغيرة لن تنبس ببنت شفة... بدأت الصغيرة الغارقة بالدمع تتقافز يمينا ويسارا تتراجع خطوتين وتقفز ثلاث للأمام ..... يشرئب الجسد الغض فينثني مرة وينحني أخرى ... يلتف حول نفسه في دائرة مغلقة .. ويثب نحو الشمس ... فينجح في تجنب الأيدي الفاجرة في مرات ويخفق أخرى. بعد كل قفزة كانت تحط على الأرض أكبر بسنوات .. تحولت الصغيرة إلى مراهقة مضطربة ... ثم إلى امرأة شابة ... بعد كل قفزة وتحول كانت الشابة تتمكن من الرقصة وخطواتها ووثباتها أكثر ... رغم الحزن والغضب والانتهاك.. تألقت صغيرتي في رقصتها الكونية ... رقصة الخلاص.

وصلنا معاً - أنا وهي- نهاية الممر الضيق، المنتهي بباب لكوخ كالذي تراه مرسوما في قصص الأطفال بقرميده الأحمر وحجمه الصغير، وليس هناك وجود للسيدة المنهزمة ؟؟!!! ، وقفت الشابة على أطراف أصابعها واستدارت برشاقة ولطف حول نفسها لتكمل دورتها وتحني جذعها أمامي وتحني رأسها بإجلال فيما مدت ذراعها ليشير إلى الباب المغلق في دعوة راقصة للولوج، تقدمنا معا وبدون أي جهد اخترقت هالة أجسادنا الباب الموصد. تسمرتُ مكاني للحظات كي تتعود عيني ظلمة المكان ... لم أتمكن من تبين أية تفاصيل إلا بعد أن أنار ضوء خافت يتدلى من مركز الحجرة ... تبينت بصعوبة تشكيل دائرة مغلقة ... يتشكل محيطها من بشر .. أشخاص مختلفي الملامح والتكوين الجسدي ... رجال ونساء من مختلف الأعمار والألوان ... يلبس كل منهم جلبابا أسود اللون ويقفون متراصين متجاورين في صمت مطبق وكأنهم يمارسون طقسا تعبديا ما ؟؟!!!

تقدمت سيدة – هي ذات السيدة الطفلة- خطوة واحدة إلى داخل الدائرة وقالت بصوت واضح : أنا الزهراء ، تعرضتُ في حياتي للتحرش الجنسي والنفسي وظلم الأقربين ... الآن أشارككم انكساري وأتحرر ... فيما امتدت أناملها لعنق الجلباب لتفك أزراره وينهمر على جسدها ليستقر على ارض الحجرة وتقف هي عارية متجردة.
تقدم رجل من طرف الدائرة المقابل وقال بصوت واضح : أنا سلطان تعرضتُ للاغتصاب من والدة صديقي في مراهقتي وأخفيت ما حدث لعدم تقبل مجتمعي ما حدث بوصفه اغتصاب لإني ذكر.... الآن أشارككم انكساري وأتحرر .. نزع هو بدوره الجلباب ووقف عاريا.تتابع الأشخاص المتقدمون إلى داخل الدائرة ... اصطفوا عراة مجردون وتماسكت أيديهم وتداخلت أصواتهم والحكايات إلى أن انتهى آخر شخص في الحلقة المتكونة من آخر كلماته ... الآن أشارككم انكساري وأتحرر.

انشق سقف الحجرة ببرق ضوء غامر طاغ ، اجتاح الموجودين جميعا ... شلالات نور بهي شفاف متدفق ... رفع افراد الحلقة أيديهم المتشابكة عاليا لتصبح في امتداد عامودي لأجسادهم ورفع كل منهم وجهه في مواجهة النور فيما علت همهمهة جماعية ذات لحن ووقع خاص شكلت من هذه المقاطع الصوتية ما يشبه الترانيم دون لغة أو كلمات تنطق ... اصبحت الترانيم تعلو شيئا فشيئا ... فيما كان منسوب النور والضياء ينساب ويرتفع تحت أرجل الموجودين فيحملهم ليطفوا .. ويرتقوا معا إلى مصدر الضوء العلوي .. متشابكي الأيدي ... ويصدحون بالترانيم .


.


.


.


.


تك


تك


تك

انتبهت من غمرة الضوء لأجدني أجلس في غرفة نومي ... قبالة نافذتي الزجاجية ... وأولى قطرات المطر الخجلى لهذا الشتاء تطرق نافذتي ... تك ... تك ... تك تك تك ... تسارعت القطرات وبدأ المطر بالانهمار ...

الأحد، 25 سبتمبر 2011

محطات في الجحيم (2)


عدت ُ إلى نفسي وما أزال مهزوزة الأركان ، مرتعدة الفرائص وثقل يغلف روحي فيلفها لفا .... يحاصرني ضجيج أنفاسي عالية لاهثة ، وصوت دماءي هادرة مندفعة تضرب عروقا شارفت على الانفجار و قلب يدق كأعنف طبل افريقي وجد منذ الأزل، زحام من المشاعر المتناقضة يتدافع ، فيض من الأفكار والتساؤلات المتلاطمة تجرفني فلا استطيع الفكاك .... من هذه السيدة ؟؟؟! ، كيف تستطيع أن تتعاملَ مع أحزانها الخاصة بكل هذا الحياد ؟؟! أن تقلًب صفحات عمرها بكل هذا الاتزان ؟؟ ،  فيما أنا لم استطع التقاط أنفاسي منذ وصلت ، وهي تتقاذفني ككرة "يويو" لعينة فتطلقني الى مستنقع احزانها تغمسني وأرتد ... لتعود وترسلني في كرَة جديد ة وبسرعة خاطفة!!

 في الحياة .... نعم ... قد تتقاطع حياتنا وآخر نمتطي موجته في بحر الحزن المنسي ، نعتلي لججه ونعانق انكساراته  ... نعلو ونهبط ... فنتذوق وجعه ونتسربل بأحزانه .  ولكن الحزن – كما أراه – ملكية خاصة لا تملك أن تقتحمها دون إذن من مالكها ... قصرعظيم ضبابي مسحور... يخفيه صاحبه بتعويذة الأيام ... وقد تُكسر التعويذة ... في وقت ما .... من شخصٍ ما ... لسببٍ ما ... فيتجلى القصر المسحور وبوابته المغلقة ...  ولكن الشيء المؤكد أنك يجب أن تطرق بابه ويأذن لك سكانه لتملك مفتاح الولوج وأنا ما فككتُ طلسما ولا طرقتُ بابا ... أو... لعلَي فعلت ؟؟؟؟!!!.

 آآآآآآآآه كم أنا مرهقة ، مضطربة ، ومشوشة .... كم أتوق لاتحرر من خيوط العنكبوت التي تُغزل حولي لتخلق صورة ... والصورة اللعينة لمَا تكتمل.  تائهة في دهاليز الأسئلة  المبهمة ..... معلقة في الفراغ ... فرت زفرة مرتعشة من شفاهي ... متقطعة مبتورة... خاطبت نفسي بحزم : أنا أحتاج بعض الوقت لإلتقاط أنفاسي. قاطعت ُ ذراعيَ حول صدري أحتضنني ثم أسندتُ رأسي برفق على كتف المقعد الخشبي فيما أسبلت عيوني وشعور موحش بالعزلة والإغتراب ينهشني.

 آآآآه ، كم أتوق لبعض السلام ... استجديه....  أسعى وأهرول مدى زمني كله وراءه.... أبحثُ عنك أيهذا الترياق العجيب.

غبت ُعما حولي لثوانٍ معدودة وهدهدتني ما يشبه سِنةٌ من النوم ... هدأت خلالها العاصفة الهوجاء في رأسي وانتهت لتخلِف وراءها ضحضاحا صغيرا، رقراقا يعكس في صفاءه زرقة السماء المنتعشة وطيف غيمة قطنية بيضاء .عبق الهواء النظيف المغسول يتسرب ويدغدغ أنفي ...تتشربه مساماتي... وسكووووون .... لا شيء أكثر.... ليتمجد الإله على نعمة التبلد !!

لا أدري كم من الوقت انقضى قبل أن أفيق على شعاع شمس حنون يربت على خدي وصوت رفرفة رقيق يغازل مسمعي ... شققتُ عيني الكسلى بصعوبة لتلتقط أمامي صورة قبَرة ترفرف في الهواء وتحط على فخذي ... تتنقل بخفة الى ركبتي وتدير رأسها الصغير لتمسد ريش عنقها بمنقارها بخفة وجذل . اهتز وجداني وطربتُ لمرأى الطائر الصغير ... راودته بحنين ... مددتُ يدي نحوه بلطف .. رفرفت القبرة في قبول واضح لدعوتي ... انتقلت لتهبط على يدي فيما ارتفعت يدي بمواجهة عنقي لأتأمل هذا المخلوق الجميل ... بادلتني القبرة الإعجاب بنظرة مودة وألفة وكأنها تناجيني ... همستُ لها : ما الذي أتى بك لهذه القفار يا صغيرة ؟؟

 فيما أداعب المخلوق الجميل وأحاول تناسي الوضع الملتبس الذي أعايش ... وقبل أن أتكيف على المكان – الحكاية ، اجتاحتنا ريح عاصفة شديدة... هبت فجأة من اللامكان ...... تغير ملامح وجهي وتشكله كما ترغب ... بجهد كبير تمكنت من دس القبرة عبرعنق ثوبي لأحميها في صدري وتشبثتُ بالمقعد الخشبي لأمنع الريح من اقتلاعي ... دووووون جدوى ! . حملتني الريح بخفة كورقة شجر خريفية ... تلاعبها  -  انقضى موسم السكون بسرعة !! - سلمتُ جسدي تماما لهذه الريح الدافئة تحملني في رحلة المجهول ... استسلام ما بعده استسلام ... تمتمت لنفسي : -ما تقذفه السماء ستتلقاه الأرض !!-  لم يكن ليَ هم وأنا أسبح في التيار الجارف الا الحفاظ على الطائر الصغير الملتصق بقلبي ... وليكن مايكون.

حملتني رحلة صاخبة من المسارات اللولبية المتلاحقة المتسارعة متتابعة الانخفاض والارتفاع ... دوامة عنيفة ... تمتص الكون وتلفظه في لحظات ...في خضم هذا الجنون المقيم ... ابتسمت في سري ... تذكرت نكتة الصرصور الذي قذفه حظه العاثر في خلاط كهربائي .. أنا ذلك الصرصور!!

 ..... ما عاد يهمني ... ساستمتع باللحظة وأمتطي الريح حتى تقذفني من على ظهرها كمهرة شموس !.... ايييييييييييييهاااااااااا.

بدأت فورة الرياح بالهدوء تدريجيا ... فيما انخفض الأرتفاع شيئا فشيئا بلطف وارتخت قبضة الرياح عن جسدي ... بدأت أرى معالم مدينة ؟ ... مآذن جميلة ... وبنايات أثرية ذات معمار اسلامي قديم بالغ الروعة ... يقوم بجانبها عمارات ذات طوابق متعددة تنسب الى المعمار الحديث ... ما زلت أقترب من الأرض وأنا مفتونة بعبق التاريخ... هذه "الحارة" أرض حقبات تاريخية متعددة تطل براسها لتوميء لك من جدران البنايات تحدثك بما مر عليها ... يزداد الانخفاض فتتضح الشوارع والأزقة ... وأصوات الحارة ترتفع بناسها ...  كل مشغول بشأنه ... من يبيع ومن يشتري ... كل الأعمار .. والكثير من الأطفال . أخيرا ، انفرجت كف الريح بحنو بالغ ... وفردت لي الأرض كقطعة مخمل تحت أقدامي ... لأقف بشيء من الترنح ونشوة الريح تزغرد في دمي .

 في أول فعل إرادي أقوم به منذ رحلة الطيران الجبري التي اختبرت ، تحسستُ نبضات قلبي ابحث بين دقاتها عن القبرة الصغيرة ، لكنها افلتت مني ورفرفت أمام وجهي لتستقر على الأرض طفلة صغيرة ... هي ذات الطفلة – السيدة . فردت الطفلة قامتها قبالتي ونادتني بعيون تتكلم وتبوح ... مدت يدها برفق لتمسك يدي وتقودني بحركة عفوية... وأنا ... تتملكني مشاعر التهور واللا جدوى ...  تبعتها وبكل ود.

الثلاثاء، 20 سبتمبر 2011

هل الانتفاضات العربيه بفعل امريكي؟

بقلم الكبريت الأحمر سيدي هاشم حجازي :)
في نفس الوقت الذي تفجرت فيه الانتفاضات العربيه ،في اكثر من بلد عربي ،ترددت مقولة ان هذه الانتفاضات كانت بفعل اميركي،والانظمه امسكت بهذه المقوله بقوه وردتها دفاعا عن نفسها،ففي مصر راج ان هناك من مول ودرب وزود،وردد النظام واعلامه كثير من القصص عن ذلك ،وفي ليبيا راجت مقولة حبوب الهلوسه والاجانب،وفي اليمن تحدث الرئيس صالح بشكل مباشر في احدى خطبه العلنيه عن الغرفه التي تدار منها الاحداث،ومكانها وشنطن وتل ابيب،وفي سوريا جرى الحديث عن المؤامره الاجنبيه والسلفيين.وفي كل هذه البلدان تواتر الحديث عن الاستقلاليه، وعدم الخضوع.وقد شاع الامر بشكل واسع، الى درجة ان من يفترض بهم الوقوف ضد الديكتاتوريه او هم بالفعل كذلك قد رددها، فهكذا نجد الشاعر العراقي سعدي يوسف  يتحدث عن الغرفه والاوامر.
هذا الحديث بغض النظر عن مصدره لا يعدم الصله بعناصر الواقع،بل يحتم ابرازها، وابرز عناصر هذا الواقع هي:
1ـشهد العالم وتحديدا بعد انتهاء الحرب البارده وانهيار الاتحاد السوفياتي،سياده امريكيه مطلقه ،بحيث ان احدى تعريفات العولمه كان امركة الاقتصاد والحياه العلميين.
2ـفشل الانظمه العربيه المعنيه في تسوية ظروفها مع الاوضاع السائده،واجراء اصلاح داخلي عليها،في نفس الوقت الذي فشلت فيه الامبرياليه الاميركيه في اجراء اي اصلاح خارجي على هذه الانظمه، وكلنا لازال يذكر ذلك السؤال هل الاصلاح داخلي ام خارجي؟وفشلت كل هذه الجهود،وبقيت هذه الانظمه خارجه عن كل ما شهدته الانظمه الديكتاتوريه الشبيهه من انتفاضات شعبيه،...بقيت الانظمه العربيه شاهدة على انها عصيه على الاصلاح ،ولابد من اسقاطها.
3ـان هذه الانظمه الديكتاتوريه العائليه قد اضحت خارج التاريخ،ومن خلال سيادة الفساد الرشوه اضحت معيقه للاستثمار الاجنبي ،مما يحتم على القوى العالميه الداعمه له الى ضرورة[ فعل ما] لاصلاح الانظمه.هذا من جهه ومن جهة اخرى لم يسبق للشعوب العربيه ان تحركت داخليا بحركه شبيهه،والرأي العام العربي والشارع العربيي كأنهما غير موجودين. وقد قامت الانظمه العربيه بتجريف الحياة السياسيه في المجتمعات العربيه ،فلم يتبق غير الحركات الدينيه،وهذه الحركات تستمد قوتها من ناريخ المجتمعات القديم،ومن الدين،هذا من جهه ومن جهة اخرى فان الديكتاتوريه التي استفادت من هذه الحركات سابقا وتلاعبت بها لاغراضها،تشكل باستمرارها افضل حليف موضوعي لهذه الحركات.هذه الحركات اتى تقف سدا منيعا في وجه الدوله المدنيه ،ورجعيه بشكل عام داخليا،فانه يخشى منها خارجيا،وذلك بالوصول الى صفقه مع اميركا واوروبا،لاسيما انها ورغم كل المخاوف الغربيه من الاسلام السياسي  فانها حافظت على علاقه وثيقه مع الغرب.كما تلوح الطائفيه في الافق والطائفيةسلاح فعال بيد هذه الحركات.
ان سمات مشتركه عديده بين هذه الانتفاضات الشعبيه،تمنع ان يكون محركها امريكيا او غربيا،ولكنه لا يمنع بالتاكيد من استغلالها وصياغة كيفية التعاطي معها، فهذه الحركات شهدت جموعا شعبيه هائله،تتحرك وتساهم في الانتفاض مما اعطى هذه الحركه طابعا شعبيا،يصعب تحريكه من قبل اية جهه،ويقتصر دور الدول الغربيه واميركا تحديدا على استغلال حالة الانتفاضات الشعيبه بما ينسجم وا هدافها،اي اجراء بعض التغيرات بما ينسجم واهدافها،مثل خلع رأس النظام والمحافظه على النظام ذاته،كما حصل في مصر وتونس،اما الشعارات الاساسيه للانتفاضات الشعبيه المتمثله في العداله الاجتماعيه والدوله المدنيه،فلا يجمعها جامع مع اهداف الدول الغربيه ،وهذه الدول تتعامل معنا كعالم متخلف،والوضع السائد هو الابن الشرعي لاعادة انتاج التخلف السياسه المعتمده غربيا معنا.وقد كان الغرب يصفه عامه حليفا اساسيا للعديد من الانظمه الديكتاتوريه.
ان ما يجعلنا ضد[التشكيك] بهذه الانتفاضات عدا عن الموقف المبدئي ضد القمع والديكتاتوريه ،هو ان هذه الحركات تعني ان الناس سياسيا قد شيعت اذلالا[الشعب السوري ما بينذل]وافتقدت الكرامه،واقتصاديا شعرت بالتفاوت الهائل للدخول وانتشار الفساد وتنوعه وسيادة البطاله......ان ذلك يعني ان الناس لم تعد قادره على
العيش في ظل هذه الانظمه حيث العسف والمهانه والفقر ،اما البديل او الاتي فحوله ترتسم الف علامة سؤال.






الاثنين، 19 سبتمبر 2011

رد من هاشم على هاشم - الشيوعيون يتناقشون

حرية غامضة في خدمة مشروع ملتبس

بقلم الصديق هاشم تل

استمتعت البارحة بسماع وجهة نظر الصديق هاشم حجازي حول الثورات العربية بشكل عام، والموضوع السوري بشكل خاص، والتي يعكسها المقال الذي حمل عنوان "ممانعة"، وأود أن أسجل الملاحظات التالية، من منطلق ثقتي بسعة صدر المناضل الكبير، وفي محاولة جادة لتبادل وجهات النظر.

أولاً؛ إن اتخاذ قوى المقاومة مثل حزب الله وحماس موقفاً داعماً لسياسة القيادة السورية مبني بالأساس على دعم سورية للفصيلين المذكورين، في ظل محيط معادي لمفاهيم المقاومة والتحرير ساد في المنطقة مطلع التسعينات إبّان انهيار التحاد السوفياتي وانطلاق العملية السلمية في مدريد، وبتقديري أن الدعوات التي يوجهها البعض لحزب الله والحماس لاتخاذ موقف مضاد للنظام السوري هي بمثابة دعوة مفتوحة للانتحار السياسي، المجاني، في ظل هيمنة الرجعية السعودية في الفضاء العربي،، والمطامع الإسرائيلية الواضحة في لبنان والمدعومة أمريكياً.

ثانياً؛ يحاول الصديق الكاتب، نزع صفة الممانعة عن النظام السوري من خلال إسقاط مفهومه الخاص للمانعة والمقاومة ومحاسبة سوريا على أساسه بالقول أن عدم فتح جبهة الجولان وتحريرها يلغي هذه الصفة، مغفلاً دور سوريا في دعم القوى اللبنانية المناوئة الاتفاق 17 أيار المشؤوم، وأن اتفاق سورية مع الولايات المتحدة في حرب حفر الباطن، هو ما فتح الباب لتعزيز الخط العروبي في لبنان، وأنهى حرباً أهلية استمرت 15 عاماً، وعززت من حضور حزب الله وتالياً تحرير الجنوب عام 2000.

ثالثاً؛ بتقديري أنه لا يمكن اعتبار دخول النظام السوري عملية المفاوضات مع العدو الإسرائيلي إدانة سياسية أو أخلاقية في ظل الاجواء التي رافقت مؤتمر مدريد، وما يحسب له، رغم الملاحظات، أنه لم يندفع إلى توقيع تسوية يتخلى فيها عن الحقوق السورية، شأن بقية الأنظمة العربية، التي يضعها الكاتب في صف واحد مع النظام السوري.

رابعاً؛ ينتقد حجازي عملية التوريث التي جائت ببشار الأسد رئيساً، وهو وإن كان يشير إلى أن هذا يخالف المبادئ الجمهورية "الحقة"، يغفل، في الأثناء، أن تسليم شخص مثل عبد الحليم خدام، نائب رئيس الجمهورية آنذاك، الحكم في سورية، هو بمثابة خيانة لسورية والعروبة ووضعها تحت سيطرة أمريكا وحلفائها مباشرة ودون مواربة.

خامساً؛ يعتبر الكاتب أن العداء لإسرائيل وقصفها بمدافع الكلام أو النار ليست المسألة الأساسية، وأن الأولوية بالنسبة للتقدميين هي وجود "دولة القانون" التي الغاها النظام وانشأ دولته، بحسب تعبيره، وهنا أتسائل عن ماهية دولة القانون الحقة التي كانت سائدة قبل حزب البعث وكيف قام نظام الأسد بالغائها وهل وجود دولة القانون بالمفهوم الليبرالي ممكن التحقق في ظل طبيعة الدول التي قامت بعد الاستقلال، وهل كان هذا حقاً هو الحل السحري الغائب، في مواجهة إسرائيل؟

سادساً؛ إن انتشار الفساد في سوريا في العقد الأخير ظاهرة واضحة، ويعود وذلك إلى تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي-الاقتصادي لصالح فتح السوق، وصعود قوى البزنس إلى مراكز صنع القرار، ما أدى إلى افقار جماهير واسعة في الأرياف، وضياع هوية النظام السوري، وهنا، تكون الدعوة إلى تطهير مراكز صنع القرار السوري من قوى الليبرالية الجديدة قضية حيوية لاستقرار الدولة وتمتين قاعدتها الاجتماعية.

سابعاً؛ إن استنتاج الكاتب، أن على قوى اليسار، والقوى التقدمية، الاندفاع إلى تأييد مطالبة بعض القوى السورية باسقاط النظام باسم الحرية، واستنكاره دعوة بعض القوى لإصلاحه، يأتي دون تقديم تحليل موضوعي لطبيعة هذا الحراك وبرنامج القوى القائمة عليه وماهية الحرية وشروطها وكلفتها، ويصبح بالتالي، التحاق غير مشروط وخطير بحراك لا يشكل اليسار وقواه جزءً فاعلاً فيه، ولكنه يتطوع لتبرير نتائجه مجاناً بدعوى "التقدمية" و"المبدأية".

ختاماً؛ بتقديري أن الاندفاع باتجاه تبني مواقف أحادية بخصوص الثورات العربية لا يخدم قضية التقدم والتحرر العربي، والقول أن ما يجري في ليبيا وسورية ومصر وغيرها من البلدان هي حالات متماثلة لنداء "الحرية" يضعنا في موقف "مثالي" يغدو فيه اليسار ومخزونه المعرفي مجرد أداة في خدمة مشروع ملتبس.  

السبت، 17 سبتمبر 2011

ممانعه

بقلم الصديق هاشم حجازي

تقف اغلب القوى  الوطنية   [الممانعه] موقفا خاصا من انتفاضة الجماهير السورية الصامدة في وجه النظام الحاكم، هاتفة للحريه.

وفي هذا الموقف الخاص الذي يختلف عن مجمل مواقفها من ما حصل في مصر وتونس،وما يحصل في اليمن والبحرين.هذا الموقف يقول بأن سوريا تتعرض لمؤامرة امبريالية ، وينصحون [المندسين] بموافقة النظام الحاكم على اصلاحاته .

ان اتخاذ هذه القوى لهذه المواقف،يضعها جنبا الى جنب مع قوى النظام السوري،وتفسيره لهذه الاحداث،الذي اعتمد الديمغوجيا في قصة المؤامرة والسلفيين ،ومضادا للروح المفترضة لهذه القوى،المناصرة للقيم الديموقراطيه وضد الظلم والاستعباد.ان الوقوف ضد الجماهير الشعبية بدعوى خروجها من الجامع،والحديث عن الطائفيه يعكس تماما عدم فهم هذه القوى لطبيعة النظام السوري ولطبيعة المرحله التي تعيشها هذه البلدان.

ان بيت القصيدهنا ،ان هذا النظام [ممانع] لذا انحازت اليه هذه القوى وكان على الشعب السوري دفع ثمن ذلك، هذه القوى لم تر ان هذه الممانعه لم تطلق رصاصه واحده على الكيان الاسرائيلي منذ عام 1973، رغم وقوع اكثر من حرب خلال هذه الفتره، وتحديدا في لبنان، ابتداء من عام 1978 تاريخ اول الاجتياحات الاسرائيليه للبنان وحتى عام 2006 ، بشكل جعل رامي مخلوف يهدد اسرائيل بعدم الاستقرار ان لم تستقر سوريا، وبطريقه تشبه طريقة سيف القذافي.

وهذه الممانعه ليست مقاومه او صمودا بالتأكيد،فالنظام وافق على كل اسس التسوية ،والسلام مع اسرائيل هو خياره الاستراتيجي،وحتى أيام المقاومه الفلسطينية - اللبنانية مرت حرب 1982 بسلام ودون ان تتدخل "الممانعة " السورية،وحفظنا وقتها شكل البوارج الحربيه البريطانيه المتجهه الى فوكلاند ،بمعنى ان النظام حتى اعلاميا لم يتدخل .كانت الممانعه والتوازن الاستراتيجي قبلها تعنى على ارض الواقع المحافظه على استقرار الجولان وهدوئه رغم ان اسرائيل قد وجهت اليه الضربات اكثر من مره خلال هذه الفتره.

ثم لا ننسى ان النظام الممانع قد قاتل تحت قيادة الاميركان مباشرة سنة1990 في حفر الباطن رغم وجود هذه الشعارات،ان هذه الممانعه ناتجه في الأصل عن اتخاذ مواقف من القضايا الإقليميه تبعا للوضع الداخلي،مناصرا لايران سواء في معركتها مع النظام العراقي السابق،او في مواجهتها مع الغرب،بالاضافة الى مقارنة مواقفه مع مصر والاردن اللذان عقدا معاهدات مع اسرائيل.

ان مجرد اطلاق مدافع الكلام وحتى النار على اسرائيل لا يجعل المرء تقدميا،فالنظام السوري قمعي تماما وقد الغى بالكامل دولة القانون واقام دولته.

لقد مر التوريث في سوريا كما لم يمر في بلد اخر،وهذا التوريث الذي اصر عليه حافظ الاسد ،يمثل خيانه للجمهورية وقيمها ،وقد شاع مصطلح الجمهوريه الملكيه بعد مرور التوريث في سوريا،وقد ادى الى مشكل خاصه به وتحديدا في مصر.

استشراء الفساد في سوريا،وانتشار الفساد "الكبير" تحديدا ،المرتبط بالبنيه السياسيه للدوله، بمعنى ان الدولة اصبحت ملكا خاصا لعائلتي الاسد ومخلوف وعلاقتهما الخاصه مع الازلام والمحاسيب.

ان البنيه الاقتصاديه لبلد ما ،والسياسه الاقتصاديه المهيمنه فيه ،هي مؤشر هام ينبغي اخذه عند اتخاذ موقف ازاء احداث تجري في هذا البلد،والاقتصاد السوري تهيمن عليه ما يعرف بالليبراليه الحديثه ،وقد أدت بالفعل الى تفاقم البطاله وانتشار الفقر.وحيث أن سوريا دوله ريعيه، وهذا يتكون أساسا من المضاربه في العقارات، والنفط، والاتصالات ، بالمشاركه مع البعض وتحديدا في حلب ودمشق،مما ادى الى تدهور الحياة في الأطراف والمناطق الحدودية،وهذا ما يفسر مايجري في سوريا حاليا.

ان القوى التي وقفت الى جانب النظام السوري،لم تر النقاط السابقه الواضحه،وهي ذات النقاط وذات السياسه السائده بالبلدان التي أيدت فيها التحركات ضد الأنظمه..هذا العمى الحقيقي يكشف للأسف جوهر هذه القوى،ومدى إفلاسها في تصديها للسياسه الاسرائيليه..

مقارنات

  مقال بقلم الكاتب الصديق هاشم حجازي

غالباً ما يجري الوقوع بنفس الخطأ، وهو خطأ مقارنة قمع بقمع، وفي الوقت الحاضر، ومع انتفاض الشعوب العربيه في اكثر من بلد عربي، انتعشت عملية المقارنه بين قمع وقمع بل بين جيش وجيش فيما بين البلدان العربيه. وأذكر حادثة قديمه تعود الى نهاية سبعينات القرن المنصرم، حيث قام حزب العمل الشيوعي بتوزيع بيان في مؤتمر عقد في دمشق ،في اعقاب معاهدة كامب ديفيد،يركز فيه على ما يقوم به النظام السوري من قمع شديد للقوى السياسيه ، ويحذر من الوقوع في فخ المقارنات،خصوصا بين سوريا[الممانعه] والعدو الاسرائيلي. أما الان ومع انتعاش المقارنات بجدر بنا الوقوف امامها لنرى كنهها،لا سيما وان الانتفاضات متشابهه سواء من حيث أسبابها، او سلوكها يغض النظر عن نتيجة كل منها.
القمع هو النقيض الاساسي لحقوق الانسان، وللقمع اشكال وأصناف عديده، داخل القانون وخارجه ،تستخدم فيه وسائل عديده ،ويكون القهر والاذلال نتيجه لمن يمارس ضدهم،وبغض النظر عن قوته او شدته فهو مرفوض أساسا.لاشك ان للبلدان العربيه صفات مشتركه واحده، كعوامل النشأه ،وتخلفها الراهن عن الركب الانساني وان بدرجات متفاوته وكذا تبعيتها وتأثرها بالقوى الخارجيه،وعملية التجريف السياسي الذي قامت به الانظمه بحيث بقيت القوى الدينيه،التي تستمد قوتها من التخلف،وترتسم علامات الاستفهام حول سياستها الراهنه.

ولكن لهذه البلدان ايضا صفات مفارقه بين كل بلد واخر من ناحية أجهزة الدوله وتحديدا أجهزة الأمن ،وكيفية قيامها بمهامها.
كبدايه ثمة ضروره للفصل بين الأمن واجهزة الأمن ،وفحواه ان الأمن حاجه انسانيه ومطلب مجتمع حر، وهذا لا خلاف عليه .ولكن أجهزة الأمن تطبق سياسه أمنيه، ولها عقيدتها المشتقه من عقيدة النظام السياسي للدوله وسياسته.وفي حالتنا العربيه الراهنه فان هذه الاجهزه لا تجلب الأمن للبلد العربي المعني،ولنا في علاقاتها مع اسرائيل حربا او سلاما خير مثال على ان هذه الاجهزه ليس همها الخارج ايا كان ،ولكن جل ما تقوم به هو قمع جماهير الناس داخل الدوله ولصالح النظام الحاكم.هذه الاجهزه حين تقوم بمهمتها القائمه حتما على القمع،يختلف هذا القمع في درجته وكيفيته تبعا للنظام والبلد دون ان يكف عن كونه قمعا مهما كانت شدته وكيفيته وآلياته.

ففي بلد كمصر والى حد ما تونس لدينا نظاما كامل الاركان مؤسساتيا ،بمعنى  حكومه وجيش وقضاء،والجيش ثمة فاصل بينه وبين الحكومه والرئيس ،كما يوجد جهاز شرطه كبير قام بمهمة القمع ولم يتورط الجيش في القمع،وخارجيا وبحكم وضعي مصر وتونس استطاع الغرب وتحديدا الولايات المتحده التحرك المباشر ازاء الوضع لاغراضهم الخاصه، فضحوا في كلا البلدين بالرئيس وجرى الاحتفاظ بالنظام.
اما في البلدان الاخرى وهي هنا ليبيا واليمن وسوريا ،فالوضع مختلف ، فداخليا لايوجد مسافات فاصله بين الرئيس والاجهزه الحكوميه وتحديدا الجيش ،واصبحت هذه البلدان واجهزة الدوله ملكا عائليا وتتصرف وفق هذا المنطق،وتقف ليبيا متفرده بين شقيقاتها من زاويه انه جرى الغاء كل شيء ،واصبحت البلد ملكا عائليا للقذافي وعائلته مدعمة بكتائب قادتها ابناؤه انفسهم،اما خارجيا فالموالاة ليست كمصر وتونس،ومن هنا فتصرف اميركا والغرب ليس مثله اتجاه مصر وتونس،مع بقاء اساليب الاستغلال الغربي نفسها ،ومجمل التصرف محكوم بمصالح هذه الاطراف.
ان عملية المقارنه ليست مرفوضه مبدئيا فقط بل عمليا ايضا ،فهي تبرر دور الجيش المصري وهو قمعى بحكم الواقع ،حين استحضار الجيش السوري او اليمني وما يصنعان بالناس،اى ان المقارنة تشرعن ما تعتبره قمعا خفيفا وتجعل من الحالة الاخرى الاصل،ان كل مقارنة هنا مرفوضه مبدئيا.

لقد ضاقت سبل العيش في هذه البلدان على جموع الناس ،بحيث اصبح مجرد اسقاطها انجاز اما بعد ذلك فلكل حادث حديث.

                                                                                              

الخميس، 15 سبتمبر 2011

محطات في الجحيم (1)


من الجحيم بدأنا والى الجحيم نعود، هذا ما يتبادر الى ذهني بعد كل"مشوار" يختطفني غصبا في زيارة حميمة الى الجحيم . لا أعلم كيف انتقل هناك وبأية وسيلة ، كل ما أعلمه اني أفتح عيوني فجأة وبدون سابق إنذار، لأجد نفسي في منطقةٍ ما من الجحيم المشتعل يأسا واحباطا وضنكا. تتراكم تلك الجبال الهائلة المقيتة من القنوط والعجز لتجثم على صدري ....يا لهذا الجحيم الإنساني كم هو متنوع ، لزج ، متعفن وحقير!.
كما في كل "مشوار" ، انتابني ما يشبه الإغماءة بما لا يتجاوز زمن طرفة عين استفقتُ منها على صوت شهيقي المدويً وأنا اتشبث برغبتي في الحياة واكافح للحصول على بعض الهواء لينعش رئتيَ المنسحقتين. أتوانى عن الحركة لحظياً ويبدأ جسدي المصعوق بالتماسك التدريجي ،تتوارى الزغللة في العيون ويتباطأ رأسي عن الدوران فيما ينساب بعض الهواء الى داخل جسدي المرتعش .. وأبتعد تدريجيا عن اختناقي المحقق .. المح طيفا يبرز من الضباب الرمادي المقيم.
أتحرك بخطىً وئيدة مترنحة ... اقترب شيئا فشيئا من الطيف ليتبدى سيدة تجلس على مقعد خشبي . يتهالك جسدي المرتعش على المقعد بجانبها بمجرد بلوغي له. هي سيدة في نهاية العقد الثالث من العمر، ذات نظرات ثاقبة وحضور آسر ينبأ عن شخصية متفردة.. هالة من الكبرياء تحيطها تجذبك اليها قسرا. تجلس مستقيمة الظهر مرفوعة الهامة بامتشاق ،وترتدي حلة رسمية في منتهى الأناقة تنبأ عن طبيعة متحفظة دقيقة وصارمة.
 تلاقت أعيننا في نظرة طويلة متأملة .. بادرتني بعدها بتنهيدة حارقة ، فيما حولت ناظريها عني وحدقت في الأفق بصوت عميق هاديء وكأنها تتابع حوارا بدأناه معا عبر ازمان فاتت ، قالت : توفي والدي  وأنا بعد صغيرة ..كنت قد شارفت على سنتي العاشرة من عمريَ الغض ... لا أعرف هل كانت أمي بنفس هذه القسوة مسبقا ووجود والدي هو الذي كان يكبح ظهورقسوتها ،أم أن مصيبة وفاة والدي الذي تركها سيدة شابة وحيدة ومسؤولة عن أعالة خمسة من الأبناء وتربيتهم هو ما فجر فيها تلك القسوة العجيبة.
تابعت بصوت يغزوه الفخر والإعجاب ، كان والدي يعمل معدا للبرامج الإخبارية في الإذاعة في فترة الستينات، رجلا مثقفا يعتني بأناقته الى أبعد الحدود وذو شخصية اجتماعية وحضورملفت، فيما كانت أمي أرملة شابة ترملت عروسا دون أولاد ... ولسبب خفي ما فقد قرر المثقف المتألق الزواج من الأرملة الشابة ....
 صمتت محدثتي وشردت نظرتها بعيدا، كأنها تسترجع مشهدا غائرا في الذاكرة ثم التفتت الي وتابعت بنبرة المحلِل:من الواضح - ان علاقتهما - كان هناك ما يشوبها فانا لا أتذكر طوال حياتي أنهما تلامسا بطريقة ودية ، أو تهامسا كزوجين ... كانت علاقتهما تبدو لي سعي مستمر من والدتي لإثبات جدارتها وتعويضه عن إختياره لها دونا عن باقي العذراوات لتحمل لقب زوجة المثقف (الجائزة) وتجاهل مستمر من قبله لمشاركتها حياته فهو قد خلع عليها" زوجة المحترم" فماذا تريد اكثر من ذلك؟؟!.
(ما أن اكمَلت السيدة كلمتها الأخيرة حتى لاح مشهدا بدا لي وكأنه خشبة مسرح متحركة ، لاح بعيدا وصار يتقدم رويدا رويدا حتى تميَز المشهد أمامي بكامله ، سيدة طاغية الأنوثة سادية الجمال تلبس ثياب نوم انيقة رفيعة الذوق وتعتلي سرير تقف عليه منهمكة رقصا ، تتمايل يمنة ويسرة ونظرها معلق بالشخص الجالس أمامها، تنظر اليه متبتلة،  آملة ... بدت نظراتها متشبثة به وترجوه كمؤمن يتعلق بأستار الكعبة يناجي ربه.
هو رجل مهيب وسيم القسمات ، أنيق يجلس قبالتها على مكتب وثير ويقرأ وريقات يحملها بيده وينفث دخانه من "البايب" ، يلتف من وراء المكتب - يقف قبالتها-  يلتقط سماعة الهاتف وتنطلق منه همهمات وضحكات متقطعة ، ينظر نحوها مباشرة. فتزيد هي وتيرة الرقص – الأمل ، علً وعسى، تعبُرها نظراته باردة محايدة وكأنها هواء شفاف ... يحدق فيها ولا يراها ! 
اكتشفت خلال تواجدي "مشاوير الجحيم" اللعينة هذه ، أنني امتلك شفافية خارقة فتستحيل روحي اسفنجة تمتص آلالام من التقيهم تتجسد في وجداني وتتقمصني فأتشكل مرآة حية تعكس كل مشاعر الالم والحسرة التي تعتري هذه الارواح المعذبة . تملكتني حسرة السيدة – الأنا في المشهد ،واستحالت طعنات حادة متلاحقة تمزق هذا الشقي القابع في صدري ... يجتاحني إعصار من الإنكسار والذل والعار ، تتمركز بؤرته في جسدي فيغوص في أعماق الأرض . جرحت حنجرتي آه وحشية الألم وتذوقت خيبة بطعم المر والحرقة تكوي كياني ، ما أقسى أن تبذل روحك وجسدك قربانا على أعتاب أحدهم ، فيبصقك !!)
 انتشلني من دوامتي صوت محدثتي رخيما متوازنا تتابع حديثها وكأنها لم ترى معي ذلك المشهد الماثل في صحراء الروح ، مع تسلل صوتها وحروف كلماتها الى أذني ..  كان المشهد يضمحل ويتبخر أمامي كخيوط دخان متصاعدة ... التفتُ اليها اسائلها بنظرة استهجان عاصف وأوشكت أن أنطق : ألم تشاهدي ما شاهدت ؟؟!!! ... ماتت الأحرف على لساني ... قسمات وجهها ونظرتها توحي أنها لم تشاهد تلك الأطياف ، وأن جرعة الألم الجحيمية كانت خالصة لي .. ولي فقط!!


تابعت محدثتي :


تفاجأت والدتي بصفعة قدرية تقتل أملها الأزلي بأن تتحق كشريكة حقيقية لحياته... اختطفه الموت وتركها وقد تعلق برقبتها خمسة من الأبناء كنت أنا أكبرهم ، وبحكم أصل والدتي الريفي فقد صار لزاما علينا تواجد جدتي والخالات والعمات المتشحات بالسواد في بيتنا وتدخلهم بحيثيات حياتنا كي لا تترك والدتي العزباء وحيدة ويحدث ما لا يحمد عقباه. فأسلمت هي زمامها لدورها المأمول والمرسوم من قبل المجتمع لتكون آمر السجن – الحامي لأولادها بالقسوة والجبروت ، فكما تعلمين يجب أن تُظهرالقوة والقسوة في تعاملها مع الجميع كي تقنعهم بجدارتها و أمانتها في تولي شؤون بيتها وحماية "اليتامى" من الإنحراف.
وعليه فقد كان أول قرار لمجلس إدارة العائلة المسكون بهاجس "الشرف" هو ختاني شخصيا ، فكانت همسات وكلمات تطرق مسمعي ولا أعيها ... الطهارة واجبة للبنت ، بنتك كبرت !.
بحركة لا ارداية هبطت كف يدي على فرجي تحميه ، ختاااان !!! ... يا إلهي !!! ، إلتوت قسمات وجهي امتعاضا وألما وهذا الخاطر يعبر ذهني ... الآن ساشعر بالالام بتر جزء حميم من جسدي ؟؟! ، ما الذي يحدث لي ؟؟؟! ، لماذا أمر بهذه المشاوير الجحيمية واختبر جميع أنواع عذابات البشرية ؟؟!!!!! ، تمنيتُ أن تصمت السيدة وتجنبني هذا الألم. صوَبتُ نظري لشفاه السيدة المتحركة .. مبتهلة .
شفاه السيدة  تتحرك بالصمت ، لم أتمكن من سماع صوتها!! ... تبا !! ... أنا احلق في الهواء ، قوة هائلة تمتصني لاسبح في مسار لولبي لما يبدو انها دوامة دودية مضيئة، والسيدة قبالتي تبتعد صورتها شيئا فشيئا حتى تلاشت تماما ،غمرني هذا الضوء المبهر وأجبرني على الإغماض.
تقدمي ... لاتخافي  ... هو جرح بسيط وسيبرأ سريعا !
فتحت عيوني مستطلعة ، أرقبُ مصدر الصوت لأرانيً أمامي طفلة.. فزعة ... مموجة الشعر ذكية النظرات، أحسست بيدين تقبض ذراعيً بشدة وتقودني ، تكاد قدميً لا تحملني فأخطو خطوة ولا اقوى على إتباعها بإخرى تتقاطع ساقيً بفعل الرعب المسيطر فاُشلَ .. تسندني اليدين لتنقل خطوتي قسرا. رفعتُ وجهي لأميز الأشخاص اللواتي يحملنني بهذا الشكل فميزت أمي وجدتي ...لا؟؟!! ..  أمها وجدتها .. يا للجحيم أنا هي!
كل منهما تقبض على ذراع ... وأُساقُ كما البهيمة للذبح ... لابد أن ينثر على مذبح "الشرف" بعض دماء الأضحية .. لتكتمل الشعائر... وتنطلق زعقات النصر والفتوة ...عندما ينجح مجتمع "الشرف" مرة أخرى في سلب طفلة جديدة موطن شهوة قد يعرضها في يومٍ ما للتجاوب مع الغواية.
عبرن بي باب الغرفة ، تنتصب طاولة خشبية في وسطها، حاولت أن اشيح بنظري عن الطاولة- المذبح فلم ترى عيني الا سواد جلابيب الواقفات كسره لون ابيض يتقدم نحوي .. هذا اذن ساحر القرية – الطبيب يتقدم ليكمل مراسيم التضحية . تعاون ثلاثتهم على حملي وألقيتُ على ظهري على عجل كما تكبُ البهيمة ، سارعت نسوة السواد لتلتقط كل منهن ذراع او ساق ، ثُبتت أطرافي الأربعة وشُدت كل ساق الى أقصى جانبيَ الطاولة المتقابلين لتنفرج الفخذين وتبرز المنطقة المحرمة ... سارعت والدتي برفع ثوبي حتى أعلى وسطي ... تمددتُ هناك ... مكشوفة ... عارية .... مقيدة ....عاجزة ...ممتهنة ومنتهكة حتى النخاع !

تملكني جزع خرافي فيما لمع انعكاس المبضع في الشمس أمام عيني وهوت يد الساحر نحوي.... أحسستُ بطعنة تمزق فرجي ... انتفض جسدي كما تنتفض دجاجة ذُبحت للتوٌ...  ألم دام للحظة واحدة فقط .. ثم اختفى ... وحلت السكينة البكماء مكان جزعي ورعبي الوحشيَ... ما عدت أشعر بأي ألم فيما انسابت دمائي الدافئة على باطن فخذي ... يا للعجب !!  ... انفصال تام عن هذا الجسد المطعون ... سكن الجسد .... وطغى على احساس الألم مذاق مرار مكرر... علقم ..  مذاق أميزه جيدا ... طعم القهر.
فيما استولت عليً حالة من الصدمة غادرتني الطفلة المنتهكة للحظات ، تقدمت نحوي ... حدَقت في عيوني بإصرار .... راقبتُ بعجب نيران شبت متوقدة في عيون الصغيرة ... تراجعتُ خطوات قليلة فيما استحال جسد الصغيرة شفافا وتحولت عروق اقدامها جذورا وامتدت فروعا مورقة في سائر الجسد ... خضراء يانعة ... رمقتني بنظرة مطمئنة ، ابتسمتْ ، فيما تحول وجه الصغيرة الى وجه السيدة أمامي وقالت : من عمق القهر ينبتُ التحدي.
جلجَلت ضحكة رنانة في سمعي ، نبهتني لأرى السيدة على المقعد بجواري تتابع حديثها بهزل وسخرية : الأغبياء !! ...  يبدو أن الطبيب كان جراحا فاشلا، فلم يثمر ختاني هدفه من اقتلاع الشهوة ، فما زلتُ رغم ما حدث انثى بكامل شهوتها.

الخميس، 23 يونيو 2011

فخ : الثائر المثقف


الحافلة ملأى بالركاب ... سمحت لي سيدة عجوز بابتسامة لطيفة أن أحتل المقعد المجاور لها .. شكرتها بابتسامة ، تبادل ركاب الحافلة نظرات الاستغراب لوجودي بينهم ، طريقة لباسي واسترسال شعري غير المربوط  وشكل حقيبتي كلها تشي اني من خارج بلدتهم ، ولكن لم يعلق أيا منهم على وجودي المستغرب وتعاملوا معي بكرم اولاد الأصول.بمجرد تحرك الحافلة تطوي الاسفلت ،أغمضت عيني وسارعت الى رحلتي الخاصة .. رحلتي مع الأنا احاورها حول أحقية هذه الزيارة ؟؟!!
هو أبهرني كل ما فيه ... ثائر كافر بكل قيم هذا المجتمع المنافق .. شعره الطويل .. لحيته  .. لباسه البسيط .. كان يذكرني عندما يقبل بصورة جيفارا المطبوعة على الملابس .. ثائر حسب الكتالوج !
وأنا... كنت اتنقل من حزب الى آخر ومن فصيل الى آخر .. ابحث عمن يمثل طموحي في ديمقراطية ، حرية ، عدالة حقيقية ونقد جذري للواقع الاجتماعي السياسي الجاثم على صدورنا كشعب .. صادفته في احد الاجتماعات ناقدا ساخطا على الساسة النمطيين في محيط الجامعة التي جمعتنا كزملاء دراسة.
كان يمثل كل ما اصبو اليه من ثورة هادرة تمزق القديم بل وتجتثه ، عرفني بالمتمرد كولن ويلسون والثائر الرائع أمل دنقل ، وبسذاجة المؤمن افترضت ضمنا انه يحمل نفس الأفكار والتوجهات ، فأحببته أكثر.بدأ ينتقدني لقلة وفائي لأفكاري الثورية ، فكما الثورة تمس الجانب الاجتماعي والسياسي ايضا تمس الجانب الشخصي العاطفي الجنسي ... فعندما يتحاب شخصان فلا مانع من اقامة علاقة عاطفية – جنسية فيما بينهما . قابلت هذا الطرح بالكثير من التشكك الصامت ، فغريزة الأنثى وتاريخ القمع القابع تحت طيات التاريخ العربي الموروث في شأن المرأة  كانت تونبئني أن من يدفع الثمن في علاقة خارج اطار العرف الاجتماعي غالبا ما يكون المرأة. نجحت بالمناورة والمراوغة في العديد من المرات لتفادي الحدث ببراعة فيما كانت انتقاداته وحدته التي تصل الى الاتهامات بالتقليدية والرجعية ... و ... و  تزداد يوما بعد يوم.
الثائر المتمرد لم تعجبه حدودي وطالب بعلاقة جنسية كاملة لأدلل على صدق "اعتناقاتي" الثورية ، حسنا اذن فلنرى الثائر الهمام ضمن بيئته الثورية ، فلا شيء يدلل على صدق توجه الفرد الا ان كان يمارس ما يعظ به ضمن بيئته الطبيعية – منزله!
استيقظت من حواري الداخلي على صوت السيدة العجوز بجواري ، تستفسر عن وجهتي وتعرض المساعدة . حدقت في وجه العجوز المبتسمة واحسست بالاطمئنان، اعطيتها اسم العائلة والشخص وقالت انها تسكن بالقرب منهم وستكون سعيدة بأن تدلني على بيتهم .
طرقت باب الفناء الخارجي في ترقب ووجل ... فتحت الباب بعد برهة سيدة باللباس التقليدي .. لها اثر جمال طاغ باق  بالرغم من تقدم سنها ولها بشاشة عفوية تزين محياها. ارتسمت على وجهها المفاجئة وهي تتفحص هيئتي ، استدركت سريعا ورحبت بي يابتسامة مشرقة وقالت : اهلا يا بنتي – اتفضلي ؟؟
عرفت بنفسي : السلام عليكم  خالة .. بيت ابو محمد ؟؟ ... أنا زميلته لمحمد بالجامعة صار له 3 ايام ما بيحضر محاضرات ، قلت اسال عنه واوصله المحاضرات الفائتة.رحبت بي السيدة ببشاشة وقادتني الى غرفة الضيوف ، وقامت بالترحيب بي ريثما يستقيظ الثائر من النوم ليستقبلني.
بدات السيدة في فتح مواضيع حوار للدردشة كي تشعرني بالترحاب ، كان واضحا انها سيدة تقليدية منسجمة مع بيئتها وعذبة الى ابعد الحدود، قاطع الحديث صوت يجعر .. صراخ وشتائم في بهو المنزل بصوت من أنكر الاصوات. هرولت السيدة لتعرف ما المشكلة مع هذا الصوت الجائر .. غابت هينهات لتعود مبتسمة محرجة
بادرتها : خير انشالله؟؟
اجابت : هذا محمد اسم الله عليه ، عرف ان خطيب اخته – ابن عمها- موجود هنا يزورها وهو نائم ، وتابعت : الله يهديها بس كام مرة منبه عليها ممنوع خطيبها يدخل البيت الا لما يكون حد من اخوانها موجود... هو صحيح موجود لكن نائم كان يجب ان تكون اكثر حرصا .
خلال حديث السيدة : خططت جملة ، وقاطعتها بلطف .. أنا لا استطيع ان اتأخر اكثر من هذا ، من فضلك ان تمرري كراسة المحاضرات لمحمد وأنا مضطرة للإستئذان ، تحركت لأودعهم وما ان وصلت الى باب الغرفة حتى وجدته واقفا ينظر بعين بتطاير منها الشرر وهمس : انا لم اسمح لك بزيارتي ... حدقت في عينه بتحد وسلمته الكراسة وودعت الجميع.
فتح الكراس على الجملة التي خططت وقرأ : سيدي الثائر .... انتهينا!!

الاثنين، 20 يونيو 2011

التحرش الجنسي : عرض لمرض

التحرش الجنسي هو ناتج لمجموعة من العوامل حسب ما أزعم ، تتداخل فيما بينها ومرتبطة ارتباطا وثيقا بالمناخ الاجتماعي و ما يحتويه من قيم وثقافة مجتمعية ، وكذلك مرتبطة بالدور والحالة و"القوة" ان صح التعبير لطرفي المعادلة من المتحرشين والمتحرش بهن / بهم .
طريقة التنشئة الاجتماعية واسلوب التربية للرجال والنساء هي المفصل الحقيقي في رؤية كل منهما لنفسه وتصوراته عن الآخر والتي تقود سلوك كل منهما وتكوين وجهات نظر تساعد على خلق مناخ التحرش الجنسي في المجتمع  من عدمه .
أزعم ان مجتمع يعاني من عرض "التحرش الجنسي" هو مجتمع بالضرورة له الخصائص التالية بشكل نسبي يقترب منها او يبتعد بقدر افرازه للتحرش الجنسي .
·         المجتمع الذي يعتنق حاليا - او اعتنق حتى وقت قريب- عقيدة  التمييز ضد افراد او مجموعات من الناس بناءً على( الجنس ، الدين ،اللون ، العرق ، الثقافة ، الطبقة الاجتماعية ، اسلوب الحياة ، المعتنق السياسي أو غيرها) ،  حيث يفرز هذا الاضطهاد او اساءة استخدام القوة والتفوق مما ينتج التحرش الجنسي من قبل المجموع المهيمن ، وقد يفرز من قبل الأقلية التي تستخدمه كسلاح انتقامي، فيرتبط التحرش الجنسي بالتعصب عموما والتمييز ما بين الجنسين.
·         تربية الذكور بعقلية " الفحل " والتي تتبنى اتجاه أن وجود الانثى في الحياة لغاية الجنس اولا ، وان " الرجل" هو من يعتصر ثديا أو يصفع ردفا أو يلقي مفرداته البذيئة على مسامع الإناث، عدا عن فكرة "الصياد" الذي ترتفع مكانته الذكورية بارتفاع حصيلة غزواته و فرض لمساته او "مغازلاته" على محيطه الانثوي .. وكلما زاد العدد من النساء كلما اثبت لنفسه ولمحيطه انه الفحل المتين ، حتى انه يقتنع تماما ان ما يفعله من تحرش هو غزل ومجاملة يجب ان تفرح بها المتلقيات.
·         في الجانب المقابل هناك تربية للإناث مفادها أن غاية وجودها بذاته هو "رضى"  الرجل، وأن تقبل الرجل لها وشعبيتها عنده هي ما يحدد نجاحها في الحياة .. أو أن "الأنثى" تعريفا هي الجذابة جنسيا - وهو ما يروج له على نطاق واسع الكم المهول من الكليبات التي تؤكد صورة المرأة المثيرة جنسيا وحسيا حد الابتذال- ، من هنا قد تعطي هؤلاء النسوة اشارات ، غير مقصودة في اغلب الحالات، تدعو وتستجلب المقاربة الجنسية . تتفاقم الأمور لنسبة ضئيلة من هذه المجموعة ليصل بها الاعتقاد ان استعدادها الجنسي هو مكمن قوتها وسيطرتها على الذكور وهو سلاحها السري ، رغم قلة عدد  ممثلات هذا النموذج من السيدات الا أن وجود واحدة منهن ضمن بيئة ما مثلا قادر على  تشجيع عقلية التحرش بدعوى ان سلوك هذه الانثى هو ما يمثل "الإناث" عموما.
·         المرأة التي ترى نفسها ضعيفة ، معتمدة على الرجل ، أو اقل قيمة  وقدر من الرجل تلقى صعوبة بالغة في التعامل مع التحرش الجنسي أو الإبلاغ عنه أو فضحه في حالة تعرضها له ، ايضا قد تواجه المرأة المعيل صعوبة في الافصاح عن اي تحرش أو رفضه خوفا على سمعتها والتي قد تؤثر سلبا على مورد رزقها.
·         عقلية محاكمة الضحية ومصداقيتها عوضا عن محاكمة المتحرش ، ومن الأمثلة الصارخة الاشارة الى طريقة لبس الضحية ، أو مكان تواجدها أو وقته وعدم تحديد ان كل هذه العوامل لا تبرر من قريب أو بعيد عدوان التحرش باي شكل من الاشكال.

أضف الى كل ما سبق تجاهل المجتمع لموضوع الكبت الجنسي حيث يتقدم السن بالشباب من كلا الجنسين دون وجود منظومة مجتمعية تقنن العلاقات بصورة صحية سليمة ما بين الجنسين ، وتستمر بفرض الشكل التقليدي للزواج والذي يتعارض بشكل اساسي مع الوااقع الاقتصادي للشباب والشابات الى جانب تعارضه مع طموح كل منهما وتقدمه في حياته العملية ، لإن تكاليف وتبعات الزواج قد تكون عقبة حقيقية في مستقبل التطور المهني للشاب او الشابة ، وهنا لا نعمم.
وتساهم طبيعة المجتمع المنافق فيما يخص المعلومات الجنسية وطبيعة التعامل مع الجنس كمتعة سرية "سافلة" بحيث يستقي الشباب تصورهم للقاء الحميم وطبيعة العلاقة من ألأفلام الإباحية وتخيل أن كل "أنثى" هي بطلة اباحية مختبئة خلف "يتمنعن وهن الراغبات" ، فيكون التحرش مبررا بداعي ان دور الذكر في العلاقة هو كسر إدعاء الأنثى بالتمنع ليتم المراد !!.
نهاية ، اعتقد أن النظر الى موضوع التحرش بسطحية الهتافات والتوبيخ الأخلاقي لن يؤتي ثماره ، وان المطلوب دراسة علمية لواقع مجتمعاتنا وقيمها ووضع الأسس والخطط الكفيلة بإحداث ثورة أخلاقية وزعزعة المفاهيم المختلة المترسخة والمتضمنة بالخطاب الأخلاقي والديني والاجتماعي المنحرف والذي انتج التحرش الجنسي بشكله الحالي القائم . عملية قد تبدو معقدة وطويلة الأمد ولكن أن نبدأ بالخطوة الأولي هو خيارنا الوحيد.