الخميس، 15 سبتمبر 2011

محطات في الجحيم (1)


من الجحيم بدأنا والى الجحيم نعود، هذا ما يتبادر الى ذهني بعد كل"مشوار" يختطفني غصبا في زيارة حميمة الى الجحيم . لا أعلم كيف انتقل هناك وبأية وسيلة ، كل ما أعلمه اني أفتح عيوني فجأة وبدون سابق إنذار، لأجد نفسي في منطقةٍ ما من الجحيم المشتعل يأسا واحباطا وضنكا. تتراكم تلك الجبال الهائلة المقيتة من القنوط والعجز لتجثم على صدري ....يا لهذا الجحيم الإنساني كم هو متنوع ، لزج ، متعفن وحقير!.
كما في كل "مشوار" ، انتابني ما يشبه الإغماءة بما لا يتجاوز زمن طرفة عين استفقتُ منها على صوت شهيقي المدويً وأنا اتشبث برغبتي في الحياة واكافح للحصول على بعض الهواء لينعش رئتيَ المنسحقتين. أتوانى عن الحركة لحظياً ويبدأ جسدي المصعوق بالتماسك التدريجي ،تتوارى الزغللة في العيون ويتباطأ رأسي عن الدوران فيما ينساب بعض الهواء الى داخل جسدي المرتعش .. وأبتعد تدريجيا عن اختناقي المحقق .. المح طيفا يبرز من الضباب الرمادي المقيم.
أتحرك بخطىً وئيدة مترنحة ... اقترب شيئا فشيئا من الطيف ليتبدى سيدة تجلس على مقعد خشبي . يتهالك جسدي المرتعش على المقعد بجانبها بمجرد بلوغي له. هي سيدة في نهاية العقد الثالث من العمر، ذات نظرات ثاقبة وحضور آسر ينبأ عن شخصية متفردة.. هالة من الكبرياء تحيطها تجذبك اليها قسرا. تجلس مستقيمة الظهر مرفوعة الهامة بامتشاق ،وترتدي حلة رسمية في منتهى الأناقة تنبأ عن طبيعة متحفظة دقيقة وصارمة.
 تلاقت أعيننا في نظرة طويلة متأملة .. بادرتني بعدها بتنهيدة حارقة ، فيما حولت ناظريها عني وحدقت في الأفق بصوت عميق هاديء وكأنها تتابع حوارا بدأناه معا عبر ازمان فاتت ، قالت : توفي والدي  وأنا بعد صغيرة ..كنت قد شارفت على سنتي العاشرة من عمريَ الغض ... لا أعرف هل كانت أمي بنفس هذه القسوة مسبقا ووجود والدي هو الذي كان يكبح ظهورقسوتها ،أم أن مصيبة وفاة والدي الذي تركها سيدة شابة وحيدة ومسؤولة عن أعالة خمسة من الأبناء وتربيتهم هو ما فجر فيها تلك القسوة العجيبة.
تابعت بصوت يغزوه الفخر والإعجاب ، كان والدي يعمل معدا للبرامج الإخبارية في الإذاعة في فترة الستينات، رجلا مثقفا يعتني بأناقته الى أبعد الحدود وذو شخصية اجتماعية وحضورملفت، فيما كانت أمي أرملة شابة ترملت عروسا دون أولاد ... ولسبب خفي ما فقد قرر المثقف المتألق الزواج من الأرملة الشابة ....
 صمتت محدثتي وشردت نظرتها بعيدا، كأنها تسترجع مشهدا غائرا في الذاكرة ثم التفتت الي وتابعت بنبرة المحلِل:من الواضح - ان علاقتهما - كان هناك ما يشوبها فانا لا أتذكر طوال حياتي أنهما تلامسا بطريقة ودية ، أو تهامسا كزوجين ... كانت علاقتهما تبدو لي سعي مستمر من والدتي لإثبات جدارتها وتعويضه عن إختياره لها دونا عن باقي العذراوات لتحمل لقب زوجة المثقف (الجائزة) وتجاهل مستمر من قبله لمشاركتها حياته فهو قد خلع عليها" زوجة المحترم" فماذا تريد اكثر من ذلك؟؟!.
(ما أن اكمَلت السيدة كلمتها الأخيرة حتى لاح مشهدا بدا لي وكأنه خشبة مسرح متحركة ، لاح بعيدا وصار يتقدم رويدا رويدا حتى تميَز المشهد أمامي بكامله ، سيدة طاغية الأنوثة سادية الجمال تلبس ثياب نوم انيقة رفيعة الذوق وتعتلي سرير تقف عليه منهمكة رقصا ، تتمايل يمنة ويسرة ونظرها معلق بالشخص الجالس أمامها، تنظر اليه متبتلة،  آملة ... بدت نظراتها متشبثة به وترجوه كمؤمن يتعلق بأستار الكعبة يناجي ربه.
هو رجل مهيب وسيم القسمات ، أنيق يجلس قبالتها على مكتب وثير ويقرأ وريقات يحملها بيده وينفث دخانه من "البايب" ، يلتف من وراء المكتب - يقف قبالتها-  يلتقط سماعة الهاتف وتنطلق منه همهمات وضحكات متقطعة ، ينظر نحوها مباشرة. فتزيد هي وتيرة الرقص – الأمل ، علً وعسى، تعبُرها نظراته باردة محايدة وكأنها هواء شفاف ... يحدق فيها ولا يراها ! 
اكتشفت خلال تواجدي "مشاوير الجحيم" اللعينة هذه ، أنني امتلك شفافية خارقة فتستحيل روحي اسفنجة تمتص آلالام من التقيهم تتجسد في وجداني وتتقمصني فأتشكل مرآة حية تعكس كل مشاعر الالم والحسرة التي تعتري هذه الارواح المعذبة . تملكتني حسرة السيدة – الأنا في المشهد ،واستحالت طعنات حادة متلاحقة تمزق هذا الشقي القابع في صدري ... يجتاحني إعصار من الإنكسار والذل والعار ، تتمركز بؤرته في جسدي فيغوص في أعماق الأرض . جرحت حنجرتي آه وحشية الألم وتذوقت خيبة بطعم المر والحرقة تكوي كياني ، ما أقسى أن تبذل روحك وجسدك قربانا على أعتاب أحدهم ، فيبصقك !!)
 انتشلني من دوامتي صوت محدثتي رخيما متوازنا تتابع حديثها وكأنها لم ترى معي ذلك المشهد الماثل في صحراء الروح ، مع تسلل صوتها وحروف كلماتها الى أذني ..  كان المشهد يضمحل ويتبخر أمامي كخيوط دخان متصاعدة ... التفتُ اليها اسائلها بنظرة استهجان عاصف وأوشكت أن أنطق : ألم تشاهدي ما شاهدت ؟؟!!! ... ماتت الأحرف على لساني ... قسمات وجهها ونظرتها توحي أنها لم تشاهد تلك الأطياف ، وأن جرعة الألم الجحيمية كانت خالصة لي .. ولي فقط!!


تابعت محدثتي :


تفاجأت والدتي بصفعة قدرية تقتل أملها الأزلي بأن تتحق كشريكة حقيقية لحياته... اختطفه الموت وتركها وقد تعلق برقبتها خمسة من الأبناء كنت أنا أكبرهم ، وبحكم أصل والدتي الريفي فقد صار لزاما علينا تواجد جدتي والخالات والعمات المتشحات بالسواد في بيتنا وتدخلهم بحيثيات حياتنا كي لا تترك والدتي العزباء وحيدة ويحدث ما لا يحمد عقباه. فأسلمت هي زمامها لدورها المأمول والمرسوم من قبل المجتمع لتكون آمر السجن – الحامي لأولادها بالقسوة والجبروت ، فكما تعلمين يجب أن تُظهرالقوة والقسوة في تعاملها مع الجميع كي تقنعهم بجدارتها و أمانتها في تولي شؤون بيتها وحماية "اليتامى" من الإنحراف.
وعليه فقد كان أول قرار لمجلس إدارة العائلة المسكون بهاجس "الشرف" هو ختاني شخصيا ، فكانت همسات وكلمات تطرق مسمعي ولا أعيها ... الطهارة واجبة للبنت ، بنتك كبرت !.
بحركة لا ارداية هبطت كف يدي على فرجي تحميه ، ختاااان !!! ... يا إلهي !!! ، إلتوت قسمات وجهي امتعاضا وألما وهذا الخاطر يعبر ذهني ... الآن ساشعر بالالام بتر جزء حميم من جسدي ؟؟! ، ما الذي يحدث لي ؟؟؟! ، لماذا أمر بهذه المشاوير الجحيمية واختبر جميع أنواع عذابات البشرية ؟؟!!!!! ، تمنيتُ أن تصمت السيدة وتجنبني هذا الألم. صوَبتُ نظري لشفاه السيدة المتحركة .. مبتهلة .
شفاه السيدة  تتحرك بالصمت ، لم أتمكن من سماع صوتها!! ... تبا !! ... أنا احلق في الهواء ، قوة هائلة تمتصني لاسبح في مسار لولبي لما يبدو انها دوامة دودية مضيئة، والسيدة قبالتي تبتعد صورتها شيئا فشيئا حتى تلاشت تماما ،غمرني هذا الضوء المبهر وأجبرني على الإغماض.
تقدمي ... لاتخافي  ... هو جرح بسيط وسيبرأ سريعا !
فتحت عيوني مستطلعة ، أرقبُ مصدر الصوت لأرانيً أمامي طفلة.. فزعة ... مموجة الشعر ذكية النظرات، أحسست بيدين تقبض ذراعيً بشدة وتقودني ، تكاد قدميً لا تحملني فأخطو خطوة ولا اقوى على إتباعها بإخرى تتقاطع ساقيً بفعل الرعب المسيطر فاُشلَ .. تسندني اليدين لتنقل خطوتي قسرا. رفعتُ وجهي لأميز الأشخاص اللواتي يحملنني بهذا الشكل فميزت أمي وجدتي ...لا؟؟!! ..  أمها وجدتها .. يا للجحيم أنا هي!
كل منهما تقبض على ذراع ... وأُساقُ كما البهيمة للذبح ... لابد أن ينثر على مذبح "الشرف" بعض دماء الأضحية .. لتكتمل الشعائر... وتنطلق زعقات النصر والفتوة ...عندما ينجح مجتمع "الشرف" مرة أخرى في سلب طفلة جديدة موطن شهوة قد يعرضها في يومٍ ما للتجاوب مع الغواية.
عبرن بي باب الغرفة ، تنتصب طاولة خشبية في وسطها، حاولت أن اشيح بنظري عن الطاولة- المذبح فلم ترى عيني الا سواد جلابيب الواقفات كسره لون ابيض يتقدم نحوي .. هذا اذن ساحر القرية – الطبيب يتقدم ليكمل مراسيم التضحية . تعاون ثلاثتهم على حملي وألقيتُ على ظهري على عجل كما تكبُ البهيمة ، سارعت نسوة السواد لتلتقط كل منهن ذراع او ساق ، ثُبتت أطرافي الأربعة وشُدت كل ساق الى أقصى جانبيَ الطاولة المتقابلين لتنفرج الفخذين وتبرز المنطقة المحرمة ... سارعت والدتي برفع ثوبي حتى أعلى وسطي ... تمددتُ هناك ... مكشوفة ... عارية .... مقيدة ....عاجزة ...ممتهنة ومنتهكة حتى النخاع !

تملكني جزع خرافي فيما لمع انعكاس المبضع في الشمس أمام عيني وهوت يد الساحر نحوي.... أحسستُ بطعنة تمزق فرجي ... انتفض جسدي كما تنتفض دجاجة ذُبحت للتوٌ...  ألم دام للحظة واحدة فقط .. ثم اختفى ... وحلت السكينة البكماء مكان جزعي ورعبي الوحشيَ... ما عدت أشعر بأي ألم فيما انسابت دمائي الدافئة على باطن فخذي ... يا للعجب !!  ... انفصال تام عن هذا الجسد المطعون ... سكن الجسد .... وطغى على احساس الألم مذاق مرار مكرر... علقم ..  مذاق أميزه جيدا ... طعم القهر.
فيما استولت عليً حالة من الصدمة غادرتني الطفلة المنتهكة للحظات ، تقدمت نحوي ... حدَقت في عيوني بإصرار .... راقبتُ بعجب نيران شبت متوقدة في عيون الصغيرة ... تراجعتُ خطوات قليلة فيما استحال جسد الصغيرة شفافا وتحولت عروق اقدامها جذورا وامتدت فروعا مورقة في سائر الجسد ... خضراء يانعة ... رمقتني بنظرة مطمئنة ، ابتسمتْ ، فيما تحول وجه الصغيرة الى وجه السيدة أمامي وقالت : من عمق القهر ينبتُ التحدي.
جلجَلت ضحكة رنانة في سمعي ، نبهتني لأرى السيدة على المقعد بجواري تتابع حديثها بهزل وسخرية : الأغبياء !! ...  يبدو أن الطبيب كان جراحا فاشلا، فلم يثمر ختاني هدفه من اقتلاع الشهوة ، فما زلتُ رغم ما حدث انثى بكامل شهوتها.

ليست هناك تعليقات: