الاثنين، 5 نوفمبر 2012

اللقيا في زمن التيه (3)



أزيز نحلة!

كما في نبؤة عراف ... على وعد فجر .. رست الكلمات في العمق ... تراقَص شعاع برتقالي يوشح البنفسجي ... ينفجر في عمقه بركان لاهب يمطر شهبه بهجة ... يندغم في البنفسجي القاتم ويحمله ويطير ليصبحا ليلكي غَنِج .. يتراقص لولبيا فيؤطر الفضاء بشعاع من لهب .. تشكيلات خلابة من رقصة اللون والضوء ... شد وجذب .. انفجار وانطفاء .. لمعان وخفوت .. ومضات متلألئة ...

وشوشات

هي : أذهبُ  في أول السطر                                 
هو : أُقلَبُ البهجة بالخيال المتقد

هي : يسكن اضلاعي وجه يغسله الشعاع                       
هو : ظمآن ينتظر ميعاد المطر

هي: باتت الريح تنعس عندي الآن                              
هو : صرتُ انسج للشمس وشاحا

هي : أمتزج بماء العينين                                        
 هو : أركع لدفء القدمين

هي : حنيني يغمرني                                              
هو: ليلي يشتعل

هي : فك قيدي من دوامة الزوبعة في قلب الإعصار          
هو : الخلاص هناك في اشتعال القبلة الأولى

هي: ابتعد !!... دروبي ضيقة                                    
هو: تتفتح  الورود على مهلها

هي : مهاجرة .. وانتعل الريح                                   
هو: مسافر لحدود الموت

هي : متقلبة ... ولا أعد بالثبات                                  
هو : الموت هو الثبات الوحيد

هي: أخاف عليك من حماقاتي                                    
هو: الحماقة في هول الحروب الفارغة

هي: اخشى إغراقك .. فلا أعرف سوى الإفاضة              
هو: لابأس من إغراق وحش الدمار لتزهر الحياة

التماع ذكرى

نجهد طول حياة للبقاء على أهبة حزن ... فقد .. مصيبة  ... نحتاط لمباغتة سطوة الدنيا ... ندرب القلب على التجلد .. نمنع عنه ري الحنان لييبس وينشف جذعه ... ليحتمل ما سيلقى اليه من محن ...  ونبني تلك الأسوار العالية الحصينة ... لتمنع فيروس الأمل من ثقب ثغرة قد تنفذ الينا منها الأحزان فتضربنا في مقتل ... نتعلم ونتدرب بهمة لتحييد تأثير الفجيعة فينا ولا تبخل علينا الدنيا بالفجيعة مرة تلو الأخرى لنتقن صنعة الكآبة... فنركن الى ترتيباتنا لحماية قلب القلب من هبوب الدنيا ، فقط عندما نظن أننا وصلنا لحظة التمكن والأمان في اليأس... ينطلق سهم طائش  .. يرشق في سوداء القلب ... في لحظة .. ومضة ...  يباغتنا الفرح .... تداهمنا البهجة .... وتثور الدهشة وتزلزل المكان ... تتفجر شلالات مجنونة ... تلامس العمق برؤوس ألأنامل .. بفيضان حنين ... تتسلق الورود  أسوارك من الداخل  .. تتآكل تلك الأسوار الحصينة بملامسة الورود ... بلحظة عين لا أكثر...  تتحول أسواري غبار وتنهار الحدود !
هناك عند تقاطع اختلاج الذاكرة وانبثاق الحس ... من ركن رعشة غير مرئية من الشفتين .. استيقظ حريق القبلة الأولى .. حمم فيضان إنصهار جارف .. هادر ... يعلو متراشقا ملتهبا  .. لتضطرم نارالعينين المقدسة  .. تشب وتعلو ... تأنس وتضيء  .. اهتز الكون .. فتبعثرت كواكبه على مساحاتي .. مضيئة .. تقترب بحنو .. فيما تجتاز السديم الكوني الفاصل ما بين المجرات لتزداد توهجا ... أكثر دفئا .. أكثر وضاءة .. أكثر .. أكثر
تزهر شهيتي بك ... أفزع... أقفز الى الوراء متراجعة ...  أمهلني بضعة دقائق ألملم نفسي المبعثرة ... أعجز عن استيعاب ما يحدث ... كيف تترافق عربدة الجسد وصلاة الروح ؟؟؟!! ... هل تلَبسني شيطان ... أو مسني ملاك ... أنا ابنة التراب ... أو صنيعة السماء ؟؟؟!!! ... لا أدري ... ما عدت أدري !!
التقى البحران ... ونشأ برزخ غامض .. يجمع الماء العذب مع الملح الأجاج ... لا يبغيان ... لا يلتحمان.. لا ينفصلان ... في تلك المساحة الغير متحققة من الاندغام ... في تلك اللحظة الدقيقة من بلوغ الوتر لأقصى شدته وتوتره .. لحظة ما قبل انظلاق السهم .. طفق يرتشف القبلة الأولى من حد السكاكين ...يلتهم الشفتين ويمتشق اعلان الحرب على الأوثان .... نحطم الأوثان القابعة في العمق معا ... نذوب في القبلة ... في طقس ممتد طوال أيام وليال ..  نختبر رش قطرات الندىًً للروح ... تُسَكب على الجسد....  صوت لتنهدات استيقاظ الحياة  .... تنام كفيه على حرير الصدر ..  فتوقظ توهج بهجة الثديين ... وصدر يرسل الامواج ويغرقه ...  وعناق أذرع في لحظة الانتشال من الفناء... همس العينين : ذوبي وذوبيني... رذاذ ينهض  سريان خدر في ثنية الركبتين... التصاق السُرة بالثدي ... جمر يأتي من بين الفخذين ... نصف غريق ونصف حريق وكل يختبر خلق الكون بل الأكوان ... رحيق يتدفق .. شهد يسيل .. وأذوب امتلاءً بك ... وأتلاشى ذوبانا ... صرتَ فيَ ..صرتُ فيك ...  ... شعلة النور .. تنزلق ... تسري وتحط اينما تشتهي .
طقوس لعبادة آلهة الصمت ... كنت كنحات أعمى أعيد تشكيل قسمات وجهه ... جسده ... كل عرق نابض ... كل ارتفاع لعضلة نافرة ... كل انحناء حاد ... انسياب الصدر ... توتر الفخذين ... تناسق الساقين ... شدة الأرداف .. وانتصاب الذكورة .. أقرأ حروفه المنيرة .. بتلمس مسامات الأنامل ... أعركه .. أدعكه ...تخلقه اناملي بقوة وعنف ... بخفة ونعومة ..  أعيد خلقه مرارا ... ويجرفني الخلق الى خلقي ... فتنشأ بداخلي عوالم مضيئة .. شموس سابحة في حركة انسيابية .. خافتة .. باهرة ... وأدور ... أدور ... في تجلي الرقصات الصوفية ... أفق واسع يغري بالطيران ... ونرتقي في تلك العوالم الخلابة ... في قمة السموات تجلت منه نظرة الطمأنينة.. يرى في احدى عينيها  من لمَا يولد من صلبه.. تضمه اليها وتحني ظهرها قليلا وتتأمله يرضع الثدي في رحمة إله .. يمتص حليب الغواية والامتلاء ... واخرى تهديه أطفالا يأخذونه في رحلة الجذل والصخب ... في عراك مليء بالقهقهات على عشب أخضر الامنيات .. الأمان يلوح لي من عمق نظرته الكسلى الخدرة ... المقاتل الشرس .. وصل في غفلة من الموت داره ... دار الأمان ... لاح الأمان !

شاق هو الفراق

شققنا الجبل صامتين .. تتعانق الأيدي ... يقبض على يدي بقوة كأنما يخاف ضياعي .. وأنا أتعلق بذراعه حتى لا أسقط في جرف عميق من البعد... شارفنا على نهاية الجبل وانحدرنا الى سفحه تمتم وهو يريح رأسي على صدره: هل انت الممكن ام المستحيل ؟... عندما لا أحسك تكونين هناك في الفراغ ما بيني وبيني ...  همست وكفي ترحل على وجنته: فراخي لما تختبر الطيران بعد .. يجب ان أعود لأرافقها في رحلة الطيران الأولى ... سأل : متى ؟ .. اجبت : غدا قبيل الفجر ... زفر زفرة حرَى واحتضنني بقوة... وشوشته : سيملأني شوقي اليك ... حدث نفسه : وحدتي ستزيدني التصاقا بك  ..
يوم الفراق ...ذلك الجرح الراعف ... حاولت التحايل عليه بالضماد .. ارتق النزيف بثرثرة فارغة وصدى قهقهات مجروحة .... في عمق الصخب الذي اختلقته كي لا احدق في عينيه .. أنا لا أجروء على قراءة نظراته الشاردة ... وفيما اتابع الثرثرة ... لسعتني على ظهر يدي قطرة حريق متساقطة... تذيب الجلد وتشعل العظم ... تابعت مصدر قطرة الأسيد ... رفعت وجهي لأرى وجه الرجل الصخري مغرورقا بالعبرات ... نزيف متلاحق من الدموع ... صامتة ... مريرة ... خرساء !
توقف الزمن .. تجمد المكان ... مات الكل .. الا تلك العبرات ... تركز فيها الكون وهي تسفح ذاتها بإغداق ... ما عدت استطيع تجاهل الحزن المخيم ... شربت عبراته بقبلاتي الملهوفة ... تلحست وجهه كغزالة تلحس وليدها لتساعده بالوقوف على قدميه بعد كرب الولادة ... دفنت رأسه في صدري فيما علا نشيجي ليصل رب السموات جميعاا!
تركني ليفرش الأعشاب لسريرنا في ليلتنا الأخيرة ... ومضى الى شق في الصخر فأخرج منه لفافة ... تقدم الي وناولني اياها ... فتحت اللفافة فإذا هي ملابسي !! ... أذهلتني المفاجأة ... فقد فقدت ملابسي على شاطيء البحر البعيد .. وكنت وحيدة ؟؟!! ... سألته : هل كنتَ هناك ؟؟ .. أجاب بهدوء : نعم .
في تلك الليلة كان البنفسج لون الغروب ... تسرب الظلام فانقلب الليلكي يحتضن النجوم ... استلقينا على ظهرينا متلاصقين ... صامتين ... نشبك الذراعين والساقين ... ونحملق في السماء الحالكة الا من نجوم باكية ... ترسل شعاعها الخافت وتختفي كلما أنت ... أو زفرت ... مثلما تفعل نساء الجبال عندما تثكل ... أرخى الحزن جدائله الثقيلة وأستاره الخانقة ... وسرت المرارة في الكون ...
سألت وانا احملق في السماء واتجنب رؤياه : ماذا سيكون الآن ؟
أجاب وهو يتجنب أن يراني كذلك : ما يحدث دائما .. سيولد يوم جديد
شهقت وانا اكتم عبرة : لا أفهم لما كان اللقاء اذا كان المصير هو الفراق ... تمتم : ما كان هو اقتحام المجهول بفورة الغضب .. تحدي المستقبل وما يحدث الان هو أنس بالقادم ، كان عندي رجاء خائب على ان يقتلني أحدهم في مرة قبل ان اقتله ... فوجئت بك  تستلين حياتي من براثن الموت.. كنت تبحثين عن الموت ..  وستنطلقين تبحثين عن الحياة .
همست : هل سنلتقي بعد
أجاب : وهل الفراق الا وعد لقاء .



الاثنين، 24 سبتمبر 2012

اللقيا في زمن التيه (2)




هرولت.. ولا زال مشهد الدماء والاقتتال وذياك الفارس القاتل والمقتول تحاصر أفكاري ... يبدو أننا في معترك صراع البقاء المزعوم نقدم ارواحنا على عتبة الهزيمة - النصر .. فلا ينجو منا احد لا القاتل ولا المقتول .. ونختصر الحياة لتصبح فن انتظار الموت لا أكثر !!! ... شهوة الموت ترسم الدائرة المغلقة وتلد تتويج العبث سيدا وتسلسلنا بأغلاله ؟! ... ما لهذا وجدنا في هذا الكون الفسيح !! ما لهذا وجدنا !!

تابعت مسيري كالمحموم ... قلب ينفجر ...جسد مضطرب ... أفكار غائمة ... أحاسيس هادرة ... ألم .. حسرة ... ترقب للآتي .. تتساقط الأحداث المتتابعة في خلاط الاستيعاب فيعجز المنطق عن تبويبها ... لامنطق .. وأتوه!!

لا !! .... سأكون ملء الردى حيَة !!

تلقفني النسيم بعطف بالغ ..هَمَس ..  استنشقيني عميقا ... خالطيني دماءك ...  سأتخذ مساري في جسدك المضنى والتقط السموم .. الهموم ... الكدر ... انفثيني ... أعيدي الكرَة ... أعيديها مرارا ... حتى اهديك السلام ..
عاد الصخر مغرقا في السواد المهيب مغطى بالنبات الذي يهديه تمازج اللون الأخضر بجميع تدرجاته ... خضرة العشب .. خضرة الليمون .. خضرة التوهج !... في هذه البقاع اصبحت تخالط العشب أزهار وورود بهية الحسن ... ريَانة ... تنشر عبيرها الآسر .. فتغوي الروح لزيارة مواطن البهجة ... وشوشة تغازل سمعي ... قريبة ...  حميمة ... تبشر بالحياة ... ما أحلاه من صوت ... صوت تدفق الحياة ... خرير المياه ؟؟!! ... خطوات قليلة واذ بي أشرف على مصدر الصوت .. نبع رقيق يتجمع في بركة صغيرة ... مياه عذبة ؟؟!! ... وصعقني اني منذ صحوتي من اغمائتي ما عدت اشعر بالعطش الذي كان يفتك بي ؟؟ وقريبا من مكان صحوتي توجد مياه عذبة ... الكثير منها ؟؟!!
تبأً لي دائما ما انجح في لجم رعونة الفرح بقيد التساؤلات !! ... قفزت من فوري وقذفت جسدي  الى المياه الممتدة أمامي بغنج أنثى .. يلجها عشيقها النبع  يصب مياهه صبا الى رحمها .. فيسكبها ويريقها ... وبحكمة الأنثى تهديء روع النبع الملهوف لتستمد من دفقه حدودا جديدة تتسع فيها وتتمدد لتهب الحياة الى مساحة متجددة في كل دفعة وكل دفقة  .



لم تبخل سيدة المياه البلورية ... سقت جميع مسامي ... بهدوء ورويَة ... ودفء ... استلقيت عائمة على ظهري ... اعانق السماء ... اسمع تدرج المياه ... تحملني بكفها الغيم ... تمر على جسدي ... تغمرني بعشق ... أنا هنا ... أنا الآن ... مجردة مما سبق .. مجردة مما يأتي .. نقية .. ومبتهجة .


أزيز نحلة !!


مغمضة العينين رأيت طيفا يجتازني .. يحجب شعاعي لوهلة ويختفي ... وتوجس خفي يترسب في اعماقي ان هناك ما يحدث على ضفة البركة ... فتحت عينيَ بكسل وطوَفت رأسي في نصف دائرة استكشف احساسي ... كان الهدوء يكتنف المكان .. لا أثر لكائن ... تنفست الصعداء وخاطبت نفسي قائلة : ربما كان ارنب صغير أو ضفدع .. وفيما اتابع التفاتي ليستقيم رأسي ... رأيت طفو لما يشبه أمواج السراب تتشكل أمامي ... متداخلة مضطربة متعرجة ... ترسم من الصخر شكلا هلاميا لا يستقر ... حدقت جيدا لأتبين ما ترسم خطوط السراب لارها تتشكل شكلا انسانيا .. شخص ما يبدو وكأنما انشق من صخر الجبل الأسود! ..





 تسارع نبضي وأصابني ما يشبه الدوار ... رفة عين .. وعدت للتحديق...تبخر الشكل والسراب ولم أعد أرى أحدا .. فيما أراجع نفسي فيما رأيت من الوهم أو الحقيقة سبحت الى أطراف البركة لارتقي الى ضفتها .. فيما انفض بقايا المياه عن خصلات شعري .. جالت نظراتي في المكان ابحث عن تفسير ... واجتاح بدني قشعريرة فيما دوى صوت صرخة عظيمة  هزت اركاني واجتاحتني كأمواج زلال ... جفلت اقفز نحو  ازدحام الصوت الجائر .. لأرى هذا الكائن الوحشي يشرئب بعنقه الى السماء ويتم صرخته الرعد ... رجل يبدو وكأنه قطع من صخر هذا الجبل .. أسود البشرة منحوت قسمات الوجه ...
تحركت على مهل لأقف قبالة الرجل عن بعد بعض الشيء ... ثبت نظري اليه أرقبه..  بدا لي تمثال من الرخام الأسود المصقول .. ثابت .. لا يتحرك ... ربما كان تمثالا فعلا وتهيؤاتي هي من منحته الحياة ... وربما ما أراه هو وهم خلقته تجربتي العصيبة وانقطاعي عن البشر .. كانت نظرة الرجل التمثال ثابتة باتجاهي ... ولكنها تتجاوزني ... كأنه غارق فيما وراء الشكل ...




إما أن يكون من صَنع هذا التمثال متفرد الابداع ليمنح نظرته هذا الدفق من الحياة واما أن يكون شخصا حيا لا يقل عني حياة ... بفضول القطة وخطواتها اقتربت من الرجل التمثال .. درت حوله عدة مرات ... اقتربت اكثر ... ودققت النظر ... بملامح الوجه ... الجسد .. أثار جروح مندملة متفرقة ... في الصدر والبطن ... في الظهر والفخذين .. وجراح لا تزال خضراء في الركبتين والساقين ...
شهقت في وجه الرجل وصرخت بصوت أرخميدس عندما زعق "يوريكا" ... لا يمكن ان تكون تمثالا !!! التماثيل لا تجرح !!! ، واتبعت بابتسامة ساخرة عريضة تعبر عن اعتزازي "بذكائي المنقطع النظير" ..
لم يشاركني الرجل الابتسام ... بل على العكس بدا لي وكأنه لم يسمع أيا من كلماتي .. وتابع ينظر الي بذات النظرة المستغرقة التي تقول شيئا ما لا أفهمه ..تجاهلت نظرات الرجل الغامض .. أبهرني شعوري بالمودة والقرب من رجل غريب ألمحه لأول مرة في حياتي في ظروف أقل ما توصف بأنها مقلقة ؟ .. فأنا وحيدة .. تائهة ... عارية  !!
افلتت مني ضحكة ساخرة وتمتمت لنفسي : لو كان يريد هلاكي لفعل فلا مكان هنا لحذر سخيف .. تابعت ثرثرتي بصوت مسموع .. أحدث الرجل عما جرى .. ويجري .. وكم كنت أشعر بالفرح لوجود آدمي احادثه .. وكم كنت جوعانة .. و كم أنا تائهة ... وضائعة  ...  وكلما أغرقته حديثا .. ارتسم على محياه تعبير محيَر ... وكأنما يملك الكثير مما يقول ولكنه أبكم لا يستطيع الإفصاح ... كطفل تائه يعلم انه يريد العودة الى ذويه دون أن يعرف طريق الوصول ؟؟!

يئست من محاولة التواصل مع هذا الزائر ،تابعت سؤاله بصوت يائس مرتفع واشارات مفسرة : هل أنت أصم ؟؟  ... حسنا ربما تسمع ولكن هل تفهم لغتي ؟؟ .. هل انت أبكم ؟؟!!  ... من أنت ؟؟؟
لم يجب ... ولم أنتظر الإجابة ... بلغت من اليأس كل مبلغ ... هذا الملك لا يعرف أبجديتي وأنا سئمت الصمت !!
استمر الحال ... يختفي ملك الجبل ليعودني في زيارات صغيرة .. يقدم لي ثمار وفاكهة .. في الواقع لم يقدمها بل كان يتركها بجانب رأسي خلال نومي  ويرحل . ولم أعد أنطق كلماتي اليه ... اصبحت ترسم ملامحي بصمت ... أصبحت صباحاتي تبدأ بثماره وتنتهي بنظراته المطمئنة عن بعد .. وفي اوقات متفرقة كنا نلهو معا في مياه البركة الرائقة ... فأراه طفلا ... وأعود طفلة. 

أزيز نحلة !!

وحيد ... دائما
منبوذ في صحراء العزلة
لأني وحش الظلام المشوَه  ... معركة بعد معركة ... مجزرة بعد أخرى .. قذفتُ بالإنسانية خارج حدود عالمي ، سليل ميراث مديد من المحاربين القدماء .. يبحث عن معركته الأخيرة .. معركة موته المشرَف .. الموت الذي يليق به ! ... موت يهديني الى الفناء ولكنه يحفر اسمي بجانب محاربين سلالتي العظماء! ... فناء يفضي الى خلود !
ملعون بلعنة الظلام الأبدية... لعنة أغرت العديد من  القتلة بغرس وتد اثر اخر ... حتى لم يبق هناك مكان لوتد جديد في القلب ... تدافعني ألامي الجارفة وكآبتي المقيمة ... فاتخبط كمسوس ... وأتوارى في صحراء اليأس المجدبة من الأقمار ... وحش وحيد...  مخلوق موهوب لعتمة العذاب ونزيف الحسرة ... يعوي طريدا وحيدا إلى الأفق الخالي من الأقمار ... يتحداه ضجيج ثرثرة الصمت .. أيام تمضي سنوات ... سنوات تمضي عقود ... عقود تمضي قرون ... وأنا أستمر بالعواء... والنزيف ... أمضي في العيش على هامش الحياة .. شبح يقبع في الظلال ... يجمع قطعا فسيفسائية ليعيش قطعا منفصلة ... ملعون !!
بزغ من زاوية صحراء اللوعة  شفق بنفسجي شفيف ... نبه غرائزي الحادة ... شممت رائحة المعاناة تدعوني ... رائحة الوحدة واليأس .. أميزها بالرغم من خفوتها وضعفها ... جذبتني هذه الرائحة  واقتربت متسللا ... متخفياً ... مهارة اتقتنها بعد عقود من الاختفاء والاختباء ...  كلما أقتربت نمت الرائحة أقوى وأكثر تميزا ... طغى البنفسجي على كل شيء وتكثف .. السماء .. الأرض ... الهواء .. وكأنما خطوت الى عالم كامل من اللون النيلي !




غرائزي تنبأ بخطر داهم .. يتعاظم ويقترب .. رائحة معركة قريبة ...  وفيما ثار النيلي يزعق بالحياة والخطر ... تأهبتُ للعراك ...  فيما ظهرت ...  مخلوقة تحدق الى الهاوية ... بضجر ؟؟!! ... تخطو خطوات الفريسة بسخرية و ملل ... مزيًنة بالعديد من الجراح والندوب ... تلك العيون العسلية المغرقة بالحزن ... تلك الشفاه المرهقة ... تعلك تمتمة مهترئة لعويل عتيق من زمن العذاب والحسرة ...
فوق التل القريب مقابلها تجمعت ثلة من المخلوقات الكريهة ... تطوف وترول وتلعق اجسادها ممنية النفس بوليمة من اللحم الحي ... وربما زخرفة هذا الجسد بعدد إضافي من الجراح والندوب ... راقبتها تتابع تقدمها نحو الهلاك بخطوات سريعة حمقاء ... بدت وكأنها مستمتعة بالتوجه للخلاص .. بالتخلي عن الحياة .. والاستسلام للألم !!
برزتُ للمخلوقات الكريهة من خلفها محافظاً على اختفائي عن ناظريها ... لن أخيفها لتهرب بعيدا ... سأحافظ على مسافتي منها .. هذا المخلوق الجميل لن يحتمل شكلي المشوه الاسود ... أجفلت المخلوقات الكريهة لرؤيتي ولاذت بالفرار فورا !
تجمدت في مكانها كتمثال آلهة من آلهة الأساطير .. في لحظة التفتت تحدق إلي ... بنظرات ثابتة .. مستفسرة ... تقرأ كُنه هذا الوحش الأسود ... نطقت نظراتي اليها خبري  : أنا النهاية لوحدتك ... الطبيب الساحر القادم من عمق الزمن .. سأحررك من اللعنة وأبلغ  روحك الخلاص ...  اقتربتُ أكثر ... بقلب مضطرب .. اسمع صوتي يهمس لسمعي : تستحقين الحياة! !

 سيطر عليها الخوف وتمكن منها الاحباط فقادها تصرفها الأحمق لتركع أمامي ونظراتها تقول : خذ مني حصتك واتركني  ...  بعتب حزين عدت أدراجي الى حالتي الشبح  ...

 ولكن هذه المرة مع قمر يؤنس سمائي .

الخميس، 19 يوليو 2012

اللقيا في زمن التيه (1)



تشقيني هذه الروح الغجرية منذ البدء ... بائت كل محاولاتي لتدجينها أدراج الرياح ... تستسلم وتأنس سنين حتى أطمئن لسكونها وانشغل عنها باليومي الروتيني ... وأركن لثباتها ...  وفي غفلة من الوعي ينطلق زلزال الصهيل ويجتاحني جموحها العاصف فيملكني ... وأهمس لنفسي ثارت هذه الحمقاء من جديد تحملني هادرة ولا أدري اين ستلقيني وفي أي الأصقاع .. قضيت عمرا أوقاوم عبثا شططها ... ولا مناص !


لا شيء يطفأ ظمأ الروح ... وهذا الضباب المقيم منذ عصور لا يثني التَوقٌ الهادر ... أتوه.... فلا أنا أعتاد الضباب واستسلم لتخبطي ... ولا يعتقني هذا التوق الممسك  بزمامي .... اتحسس خطواتي نحو الأفق المفتوح ... في رحلة التيه المتجدد ..  بحث لا نهائي ... عن شيء ما ... شخص ما ...  أيمم نحو المجهول ...  يرتسم السراب فيعييني الترحال وأتلمس ذاك الشقي القابع داخلي بأنامل المواساة ... لا أدري يا صاحبي ما الذي تواطأت السنون على نسجه لنا هذه المرة في هذه البقاع الموحشة.

تتعفر خطواتي المنهكة برمل البيداء ... وتشربني الشمس الحارقة رغم الضباب المقيم... وأشرب أخر قطرة ماء من قربتي ... بلا سابق إنذاريتخذ جسدي وضعية التأهب... وتسري كهرباء تشحن جزيئات الفضاء حولي فينجرف الهواء ثقيلا... اشعر بشهوة المفترس ترقبني وتحاصرني ... أجول بعيني بتوجس المقدم على الهلاك فلا يلوح لي مخلوق ... يخرج الزفير من صدري حريقا واناجي ذاتي : لا يوجد أقسى من انتظار الأسوء ...


وها هو الأسوأ يفسرذاته  فيلوح لي قطيع من الضباع  الجائعة على قمة كثيَب رملي قريب... أراها عبر الضباب تتآلف فيما بينها وتنطلق نحوي أجرجر خطواتي كما يساق محكوم بالإعدام الى حتفه .. سحقاً لهذه الميتة السخيفة ... فلا أحقر من هذه الكائنات ... أفيكون قاتلي حقيرا جبانا عفنا لهذه الدرجة... وأهرول نحو موتي حثيثا وأحدق النظر بأنفة في وجه قطيع الجبناء ان كان الهلاك قبلتي فليأتِ على عجل ... فالصبر فضيلة لا أمتلكها  !!... يجفل قطيع الجبناء ويرتبك التشكيل فجأة ... ينطلق منها زعيق مقرف .. ولا تلبث إلا ان تنطلق هاربة بسرعة البرق كمن مسه صاعق ؟؟!!



تجمدت خطواتي وتسمرت في مكاني ... أحاول تبين ما جرى ؟؟؟! ... ما لهؤلاء الجبناء ؟  تباً ...أنا لا أفهم قوانين الصحراء !! .... أزعجني ثقل وتلاحق انفاسي تصم اذني ... حبست أنفاسي لتنتظم ... لم يتوقف صوت تلاحق الأنفاس .. قريبا ... دافئا ... التَفتُ ناحية الصوت ... يجتاحني الترقب ... التمعت نيران متوقدة ترمقني عن قرب ... برز من الضباب فيما يشبه الحلم ... وحش مهيب مغرق السواد ... يحمل النار المقدسة تلتمع في مقلتيه... أركع مقابل الوحش الملك .. أستند على أربعتي ... أواجه الكائن المغرق في الجمال وأحدق في قسمات وجهه  .... مرحى لك ايها الملك المهيب ...هذا موتي المشرف ... التهمني يا رفيق ... فهكذا تكون النهاية المشرفة بحق .. يا ماحق الجبناء ... يا ملك الصحراء ... أنحني لإجلالك العظيم ... اطبق جفنيَ باستسلام ... مرحبة بموتي المشتهى .. تلفحني أنفاس حرَى ... ويصطدم أنف رطب بأنفي وأشهق نفسي الأخير ... وأنتظر ... وأنتظر ... يجتاحني السكون ... لا افتراس ... ولا أنفاس ... افتح عيني لألمح الفهد المهيب يلقي إلي نظرته الأخيرة في عتاب لم أفهمه وينطلق غائبا في الضباب !




تابعت سعي هاجر .. ولا زمزم ... ولا قوافل ... ذبحني العطش ... ونسجت لي الشمس الحارقة كل انواع الهذيان ... ...  تنبلج في قلب صحرائي شواطيء غريبة .... مسحورة ... تلطم أمواجها صخر الشاطيء بشهوة أنثى تعانق عشيقها الغائب منذ الأزل ...تستهويني لحظة العناق ... لحظة اللقاء ... فأنضو أسمالي عن جسدي الذي انهكته الشمس التهابا ... وأنطلق عارية نحو الأمواج تدفعني الريح على مهل ... أحاذي صخر الشاطيء بحذر ... وانزلق ما بين الصخور كسمكة حفظت هذه الشعاب المرجانية عن ظهر قلب... تحملني الأمواج الرائقة لبقعة زرقاء  خالية من الصخور التي تحيطها كخاتم  .. متلالئة المياه.. صافية  .. ترسم جسدي العاري لوحة شفافة ... وأغوص الى الأعماق ... تغمر المياه الباردة الجسد العطشان ... وتحتويه كرحم على أهبة الاخصاب ... حنونا ... محبا ... غامرا .. اشق المياه لأشاكس الموج الحنون على السطح ..




يا إلهي !!! أسوء كوابيسي تتحقق !!! يهاجمني هذا الكائن الكريه اللزج ! ... كائن قنديل البحر المقرف يحاصرني !! تتملكني نوبة رعب .. وصراخي يبلغ عنان السماء ... أحاول جهدي ان أبعد هذا الكائن اللزج عني بخلق امواج تحمله بعيدا.. ويأبى هذا اللزج الا مهاجمتي بشراسة !!! ... أتخبط مرارا ... وأشعر بمن يدفعني بعيدا نحو الشاطيء ... فيما تنطلق صرخاتي المجنونة رعبا ... لأتبين الوحش الاسود يلتف حولي ليشكل بجسده حاجزا يحميني من اللزج حينا ومن الصخور المتناثرة حولي أخرى ... فيما يدفعني برفق الى الممر الآمن وسط الصخور حتى بلغنا الشاطيء معا!!

ألقيت جسدي خائرا مرتجفا على رمل الشاطيء ... وجثا بجانبي الوحش النبيل ينزف من أثار جروح صخور الشاطيء ... فيما بين الإغماء والصحو مددت كفي لاتحسس الجسد النازف ... ولم يسعفني الوقت لأنطق بكلمة عرفان ... فيما انزلقتُ في هوة الغياب ...




إغفاءة أو إغماءة ... يلوح لي وجه الوحش النبيل ... احاول لمسه كالشعاع ... فيقترب ويبتعد ... ويأتيني صوت بعيد قريب يهمس ... كم عمرا لبثتِ ؟! ... أما آن لهذا الشقي أن يترجل عن صليب الانتظار المغروس في عمق الزمان !... أما غفر لي شغفي العتيق وقلقي المقيم في بحثي الموصول عنكِ منذ أجيال ؟؟ ... وانت يا أميرتي الغجرية تزدادين بعدا وحزنا كلما اقتربت منك ... لكن أنينك ... آه لهذا الانين المسافر في دوائر الزمان .. كان يتزاحم كموج يغشاني ... يخترقني !
تداخلت الحروف ... تصاعدت همهمهات بعيدة ... صوت حنون مبهم المعاني ... يتلاشى رويدا ... رويدا ... يسلمني لوسن مخملي .

  

شهقة
 إفاقة توارب الباب لعالم الصحو ... لمحة من الضياء ... أرمش مرة .. فمرات ... بقايا ضباب يتلاشى ... ينحني ليقبل أرنبة أنفي ... ويرسل نسيما  يلتقم حلماتي فتنتصب للرضاع ... انتشي بمداعبة النسيم وأمسد على شعري واخلله أصابعي ... لا عطش ولا ظمأ ... جسد ريَان ... وروح حريرية تتمطى بغنج .
تحسست كفاي أرضي وتوكأتُ على مهل ... لملمتُ جسدي العاري وجلست القرفصاء اعاين مكاني بشرودي وصمتي  ... أرقب جبل أسود يحتضنني ... ترتفع ذراعاه شاهقتين بصخر اسود مصقول ... يظلل المكان فيحميه من الهجير ، بينما يستعير له من الشمس الضياء ...



فيما راق الجو وانقشع الضباب تماما ، مددتُ قامتي وانا احتضن نهديَ واقوس ظهري  لتنزلق كفاي تتحسس جسدي كقطة تلعق جسدها ... لأرد رأسي الى الخلف وانفض شعري الفوضوي كما يجفف عصفور ريشه ... أطلقت صرخة فرح وجنون .. كتلك التي يطلقها الهنود الحمر مزقت أحشاء الفضاء وانطلقتُ في رقصة وحشية عجيبة ،لا أدري هل هي احتفال ببقائي على قيد الحياة أم طقس من طقوس وجودي أضحية على مذبح الفناء ... رفعت رأسي عاليا وأنا املأ صدري بالهواء لصرخة ختام الرقصة وإذا بالوحش المهيب يجثم على قمة الجبل ... يراقب خطواتي الحمقاء ويشرب تفاصيل المشهد بهدوء محيًر !




تعلقت نظراتي بهذا النبيل الذي لا يبقى ولا يمضي ... يهمين على الأجواء ولا يفرض الحضور ... يبرز كتعويذة وربما يكون هو الطلسم ..... تتابع شرودي في هذا السيق الممتد... يفلق الجبل الى نصفين كأنه صنعة حزمة بروق كونية خرت متتابعة تضرب الجبل فكأنما شُق بنصل سكين ... تملكني يقين ان على امتداد هذا السيق تتضح الإجابة ... أو ...قد يتبلور السؤال ؟!
رفعت صوتي فيما يشبه الصلاة :
"أقف على عتبة الباب ... أربي الأمل ..   تعال نلملم اقدامنا .. تعال نراقص خطواتنا ... نسير نحو التئام الجرح .. نهدهد الممكن ونراود المستحيل "
تتابعت تكرار هذه الكلمات على لساني وكأنها ترانيم عتيقة صليتها في أزمان غابرة... ترافقت خطواتي معها على اتساق ..  أرفع الخطوة فينبت تحتها عشبا ... أخطو أخرى فتنبت زهرا  .. يرتسم اللون الأخضر أثرا يشكل مساري .. وترتفع أرض المنحدر شيئا فشيئا وينبت العشب في مفاصل الصخر وتفترش تحت خطواتي سجادة الخصب.
تابعت اختراق قلب الجبل وبدأ لون ترابي ضارب الى الحمرة يغزو اللون الأسود ...  تموجات اللونين بديعة  ... اقتربتُ أكثر اتحسس الصخر المصقول ... يسلبني اليه فأتوحد في كيونته ... اتابع تحسس الجدران الصخرية وأقرأها بكفيَ ... فتنتفي باقي الحواس وتندمح في اللمس ... يتراجع البصر ويقرأ اللمس حكايات وحكايات ... نقوش مرسومة  لصراع بين وحوش قديمة .. دماء مسفوحة ... وجراح ... انكسارات وانتصارات . تتنوع النقوش وتتلاحق...تروي ملاحم المحاربين قدماء ... يصارعون الوحوش والبرابرة الأعداء... قتلى وحراب ... صراع أزلي متجدد...





يتوالى ظهور رسم الفارس الناجي من المعارك ... تلمتع في وجهه المثخن بالجراح  عينان وحشيتان ... نافذتان يقترن فيهما الجبروت بالفجيعة ... محرابان يتوجان معركة تقديس اله الحرب  الموت !  .. يتبختر الفارس مزهوا بجراح المعركة...  ويكابر ... يكابر ... فيما يختفي قلبه تحت طعنات خناجر نافذة ... لا يرى منها الا مقابضها وتغيب الأنصال في قلب القلب ... وجراح تنز ! ... يحمل الفارس بشماله رأساً قطفها خلال معركته تشخر دما ...تناديني العينان ... أحدق ... اكثر ... اكثر .. تكبر ملامح الوجه للمقتول وتتضح .... يطل وجه الفارس من الرأس المعلق بيده يرنو إلي ... وتتنهد الريح همهمات الثكالى : هو القاتل ... هو المقتول !



رعدة تهزني ... يجتاحني الجليد ... صقيع ... اقاوم الجليد ... اتحرك بضعة خطوات ... احاول جهدي الابتعاد ... تتثاقل أرجلي ويكبلها الجليد ... ويتسلقني التجمد حتى أتحول لتمثال من جليد ... يقتلني الزمهرير ... ويحبسني التمثال الجليدي عاجزة عن الحركة داخله ... يتناقص الهواء ... وأنزلق نحو غيبوبة الاختناق ... وتحدق مقلتاي في الجدار الصخري امامي ... فيما أجاهد لأتنفس ... اختلط لون أصفر وبدأت سيمفونية الألوان تتسع .. مشعة .. مبهرة ..  أرى في النقش ... وجه إمرأة متكرر ... يتضح ... اغرورقت عينا المرأة- النقش بالدموع الحارة ... انسابت على وجه الجدار الصخري وانسحبت الى أسفل ... لتمتد الى قاعدة التمثال الجليدي الذي يحبسني ... فتشقق ... دمعة  اخرى ... اخرى ... الجليد يذوب واتحرر !


تعلو ذات الترنيمة :
"أقف على عتبة الباب ... أربي الأمل ..   تعال نلملم اقدامنا .. تعال نراقص خطواتنا ... نسير نحو التئام الجرح .. نهدهد الممكن ونراود المستحيل "