الأحد، 25 مارس 2012

زيارات قوس قزح



أجدني الليلة عارية ، جوفاء ...  تعلوني أمواج الرتابة وتحاصرني سماجة الملل ....جَنَحت سفينتي نحو يابسة غير مأهولة ،تصفر فيها رياح الخواء ليرجع الصدى رخوا : "نحب الحياة غدا .. عندما يصل الغد نحب الحياة." ، وأرقب ذاهلة رمال الأيام تتسلل من بين أصابعي ...وأفكر معي: انتظاري حصاري ؟؟! ... وهل من جدوى للانتظار في هذه القفار ؟؟

أناكف ذاتي بسخرية :  الضجر من صفات البشر .. تختبرين عزلة الآلهة.. أنت   آلهة.
أهمس                 : ولكني أختار أن يعتقني الفناء.

قالت                   : تعالي نعقد اتفاقا .

أنا                      : فليكن ؟
هي                 : ماذا تريدين ؟ اذكري لي ما تريدين وارسميه لي لوحة اراها اسمح لك بأن نكسر الانتظار.
أنا             : سؤال فخ ... لا أعلم ما اريد ولكني بكل تأكيد أعلم ما لا أريد  ويستقر في وجداني اني أعشق البنسفج . ويجرحني أني افتقد البحر منذ بداية عهد الانتظار ...وهو غائب رغم الحضور.

هي                        : ما ضيعك الا محمود درويش وفيروز ... ابعدي عنهم !
أنا                      : لا نقترب الا ممن يعزفون أوتارنا ويترنمون بما نُكِنَ ...آآآآآآآآآآهٍ يا أنا ... قلبي بريء مضيء مليء ...  يرفرف في صدري كفراشة ... يتراقص محتفلا بازدحام الأحباب  ..  أرشف منهم الترياق الذي يعينني على سموم الحياة.
هي                    : الأحباب ؟! ... انت تخلطين الخيال بالواقع ... من تسمين الأحباب هم أغراب شاركوا الجموع بعضا من ذواتهم على شكل إبداع .. ولا يعلموا بوجودك في هذه الدنيا اصلا ...عودي الى أرض الواقع فقد اتعبتني بهذيانك المقيم.
قاطعتها بهدوء فيما غالبتُ ابتسامة رقيقة ارتسمت على شفتي : شَاركونا جوهر الذات فيهم يا أنتِ ... كم هي متعبة هذه الأنا ... مصرة على تقييدي بقيود العادي ... الواقعي .. والمتوقع .. وأنا أتوق الى التحليق كالحمائم البيضاء.. تقبل خد السماء .. أو ربما ... كرجع صوت كمان يراود الجراح والحنين .. ولا يضيرني أن اكون إيقاع طبل يزرع الفرح ويبشر بالبهجة ... لكن يبدو أني عالقة في هذه القفار حيث لا يجدي سوى الانتحار.
إذن  ! فلننتحر ودون إبطاء ... لنعانق الأبدية ... تسلقت حاجز السفينة الشاهق وأشرفت على القفار المجدبة .. سأترك الدنيا بلا ذكرى حتى لوريقة شجر ترتسم في مقلتي قبل الغياب ! ... أغمضت العينين وقفزت بشهوة الاستسلام الى الفناء .. سأختبر الطيران والتحليق أخيرا حتى إن كانت نهاية الرحلة ارتطامي بأرض جدباء ... لا ضير .
أفرد ذراعيَ ... أخترق الهواء وربما هو من يجتازني ... سريعا ... جامحا ... مجتاحا...  أبطأ؟؟!! ... أبطأ ... فسكون ؟؟!!! ... حتى السقوط يخون توقعاتي ؟؟؟!! .. تباً لي ! ... لا انجح في اي توقعات !! .. حتى الجاذبية تخذلني !!!
 أفتح عيني لأراني منتصبة القامة ... امتطي الريح فرس عاشقة ... تحملني بغنج  ... تحملني فوق جبال ثلجية ناصعة تمتد عبر الأفق ... وندف الثلج تتساقط حولي كرات قطنية ... ولا برد ولا زمهرير ... هطول قبلات الفرح الدافئة تغمرني ... أرتقي بجسدي لأتلقى الثلج المتساقط بكفي ... يختل توازني ويدور جسدي ليطفو ... اجدف بيمناي لينزلق جسدي يسارا ... اكور جسدي فأدور دورة كاملة ... أعوم جوا ... انشغل بحركاتي البهلوانية وأتذوق جسدي خفيفا حرا من قوى الشد ... وتنطلق راقصة الباليه المدفونة داخل جسدي الثقيل ... لتتمادى ... رقصا ... وقفزا مستحيلا ...  آه ٍكم حلمت بهذا!
بروية وهدوء عاشق متمرس يطغى لون برتقالي ضارب الى الحمرة يلون سمائي ... وينتصب شجر عتيق ذهبي الأوراق ... أسافر ورقة خريفية تراودها الريح ويلفني شال الغيم المخملي روحا وجسدا ... تربت الريح على أكتافي وتسافر في جديلتي لتنثرها ينابيع سماوية ... ينتشر عبق التربة بخورا فيملأني ويفيض خصبا يعانق الريح الحنون وهي تغزل لي فراشا من ضباب فتتعلق روحي في اللامكان
أبتسم بكسل لهذه الذراع التي تطوق خصري بإحكام وينتشر الدفأ في مفاصلي... يبرز قرص البرتقال متوهجا في عيني .... يطرق اجفاني بشعاع لعوب ... وينساب ليلهب الشفاه... يلفحني اللهيب . فتفيق دمائي حارة متدفقة رعناء ... انتفض فأخلع أيامي واغتسل بشلال الاشعة المتدفق يحيلني هالة من نور... تتجمع الأشعة من حولي وتنجدل أرجوحة تحتضن أردافي ...اقبض على حبال القصب المضيئة وأرفس غيمة بقوة  لتعلو بي أرجوحتي  وتقذفني جمرة في حضن الشمس ... أذوب واتبعثر... تلمني أمي الشمس جنينا في رحمها وتنسجني من جديد ... خيوط من ذهب ... يكتمل الخلق ويطلقني المخاض اللطيف شعاعا يجتاز المسافات الكونية بلحظات حتى تستقبلني الأرض زرقاء ... تنتشر اليابسة على وجهها الرائق كحبات نمش تلوح في وجه اجمل الصبايا ... أسافر في الأجواء الرائقة ... اجوب الشواطئ وأدغدغ أنوف الأطفال ... اشاكس الشباب ...وأحتضن الشيوخ ... وأتابع الترحال ...
تلوح لي شقائق النعمان خجلى ... أحط رحالي وأهبط في حقل بري من الزهور ... تومئ لي سنابل خضراء بعيدة عبر المدى وتنحني رؤوسها في إشارة ترحيب حميمة ... استجمع شتاتي وأتكيف مع جسدي الغائب للحظات... تتمرد الروح فتترجل... الى نبع الطفولة تحاذيه ... تقود خطواتي بطيئة وحالة من الخدر اللذيذ تلف حواسي ... تتداخل الحواس فأسمع عبير الأزهار المختلطة تعزف سمفونية انسيابية الايقاعات تتخللني ... وأشم ترقرق صفحات الغدير ...  يسكرني! أدوس أشعة الشمس المتلألئة على صفحة النبع الصافي سجادة حريرية الملمس تُقبّل باطن القدم برقة .. انتشي فيخطفني التماهي مع المحيط بكله ... لا يميزني ولا أميزه ... أولد من قلب عريشة ياسمين طفلة مبعثرة الشعر حافية القدمين ... طفلة تغرس ملامحها الجذلة في القلب فتطرح بهجة... تلاعب عشب الأرض وتحتضن النسمات ... تتطاير الفراشات من تحت أقدامها سربا لعوبا  ... يمتد رنين ضحكاتها جسرا من قوس قزح ... تتراكض في جميع الاتجاهات ... تداعب ارنبا يلاحقها وتلاحقه .. تتجاوز الأرنب ملوحة بكفها الصغير ... تتوسع الخطى .. وتتصاعد وتيرة الجري ليكتسب الجسد الصغير زخما فينطلق قذيفة عبر قفزة مشاكسة وتحلق في الهواء .... تلتقطها ذراعيه احتضانا ...تتعلق برقبته وتتأرجح كبندول ...  تعانقه بقوة وتمرر ظاهر يدها الصغيرة على وجنته وتطبع قبلة مشتاقة.

تصرخ بأعلى الصوت : وينك !!! ما أنا اشتقتلك !!