الخميس، 23 يونيو 2011

فخ : الثائر المثقف


الحافلة ملأى بالركاب ... سمحت لي سيدة عجوز بابتسامة لطيفة أن أحتل المقعد المجاور لها .. شكرتها بابتسامة ، تبادل ركاب الحافلة نظرات الاستغراب لوجودي بينهم ، طريقة لباسي واسترسال شعري غير المربوط  وشكل حقيبتي كلها تشي اني من خارج بلدتهم ، ولكن لم يعلق أيا منهم على وجودي المستغرب وتعاملوا معي بكرم اولاد الأصول.بمجرد تحرك الحافلة تطوي الاسفلت ،أغمضت عيني وسارعت الى رحلتي الخاصة .. رحلتي مع الأنا احاورها حول أحقية هذه الزيارة ؟؟!!
هو أبهرني كل ما فيه ... ثائر كافر بكل قيم هذا المجتمع المنافق .. شعره الطويل .. لحيته  .. لباسه البسيط .. كان يذكرني عندما يقبل بصورة جيفارا المطبوعة على الملابس .. ثائر حسب الكتالوج !
وأنا... كنت اتنقل من حزب الى آخر ومن فصيل الى آخر .. ابحث عمن يمثل طموحي في ديمقراطية ، حرية ، عدالة حقيقية ونقد جذري للواقع الاجتماعي السياسي الجاثم على صدورنا كشعب .. صادفته في احد الاجتماعات ناقدا ساخطا على الساسة النمطيين في محيط الجامعة التي جمعتنا كزملاء دراسة.
كان يمثل كل ما اصبو اليه من ثورة هادرة تمزق القديم بل وتجتثه ، عرفني بالمتمرد كولن ويلسون والثائر الرائع أمل دنقل ، وبسذاجة المؤمن افترضت ضمنا انه يحمل نفس الأفكار والتوجهات ، فأحببته أكثر.بدأ ينتقدني لقلة وفائي لأفكاري الثورية ، فكما الثورة تمس الجانب الاجتماعي والسياسي ايضا تمس الجانب الشخصي العاطفي الجنسي ... فعندما يتحاب شخصان فلا مانع من اقامة علاقة عاطفية – جنسية فيما بينهما . قابلت هذا الطرح بالكثير من التشكك الصامت ، فغريزة الأنثى وتاريخ القمع القابع تحت طيات التاريخ العربي الموروث في شأن المرأة  كانت تونبئني أن من يدفع الثمن في علاقة خارج اطار العرف الاجتماعي غالبا ما يكون المرأة. نجحت بالمناورة والمراوغة في العديد من المرات لتفادي الحدث ببراعة فيما كانت انتقاداته وحدته التي تصل الى الاتهامات بالتقليدية والرجعية ... و ... و  تزداد يوما بعد يوم.
الثائر المتمرد لم تعجبه حدودي وطالب بعلاقة جنسية كاملة لأدلل على صدق "اعتناقاتي" الثورية ، حسنا اذن فلنرى الثائر الهمام ضمن بيئته الثورية ، فلا شيء يدلل على صدق توجه الفرد الا ان كان يمارس ما يعظ به ضمن بيئته الطبيعية – منزله!
استيقظت من حواري الداخلي على صوت السيدة العجوز بجواري ، تستفسر عن وجهتي وتعرض المساعدة . حدقت في وجه العجوز المبتسمة واحسست بالاطمئنان، اعطيتها اسم العائلة والشخص وقالت انها تسكن بالقرب منهم وستكون سعيدة بأن تدلني على بيتهم .
طرقت باب الفناء الخارجي في ترقب ووجل ... فتحت الباب بعد برهة سيدة باللباس التقليدي .. لها اثر جمال طاغ باق  بالرغم من تقدم سنها ولها بشاشة عفوية تزين محياها. ارتسمت على وجهها المفاجئة وهي تتفحص هيئتي ، استدركت سريعا ورحبت بي يابتسامة مشرقة وقالت : اهلا يا بنتي – اتفضلي ؟؟
عرفت بنفسي : السلام عليكم  خالة .. بيت ابو محمد ؟؟ ... أنا زميلته لمحمد بالجامعة صار له 3 ايام ما بيحضر محاضرات ، قلت اسال عنه واوصله المحاضرات الفائتة.رحبت بي السيدة ببشاشة وقادتني الى غرفة الضيوف ، وقامت بالترحيب بي ريثما يستقيظ الثائر من النوم ليستقبلني.
بدات السيدة في فتح مواضيع حوار للدردشة كي تشعرني بالترحاب ، كان واضحا انها سيدة تقليدية منسجمة مع بيئتها وعذبة الى ابعد الحدود، قاطع الحديث صوت يجعر .. صراخ وشتائم في بهو المنزل بصوت من أنكر الاصوات. هرولت السيدة لتعرف ما المشكلة مع هذا الصوت الجائر .. غابت هينهات لتعود مبتسمة محرجة
بادرتها : خير انشالله؟؟
اجابت : هذا محمد اسم الله عليه ، عرف ان خطيب اخته – ابن عمها- موجود هنا يزورها وهو نائم ، وتابعت : الله يهديها بس كام مرة منبه عليها ممنوع خطيبها يدخل البيت الا لما يكون حد من اخوانها موجود... هو صحيح موجود لكن نائم كان يجب ان تكون اكثر حرصا .
خلال حديث السيدة : خططت جملة ، وقاطعتها بلطف .. أنا لا استطيع ان اتأخر اكثر من هذا ، من فضلك ان تمرري كراسة المحاضرات لمحمد وأنا مضطرة للإستئذان ، تحركت لأودعهم وما ان وصلت الى باب الغرفة حتى وجدته واقفا ينظر بعين بتطاير منها الشرر وهمس : انا لم اسمح لك بزيارتي ... حدقت في عينه بتحد وسلمته الكراسة وودعت الجميع.
فتح الكراس على الجملة التي خططت وقرأ : سيدي الثائر .... انتهينا!!

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

مي هاي صورة لاغلب الناس ، يتظاهروا بمبادئهم فقط لكن في الواقع شي اخر