الاثنين، 5 نوفمبر 2012

اللقيا في زمن التيه (3)



أزيز نحلة!

كما في نبؤة عراف ... على وعد فجر .. رست الكلمات في العمق ... تراقَص شعاع برتقالي يوشح البنفسجي ... ينفجر في عمقه بركان لاهب يمطر شهبه بهجة ... يندغم في البنفسجي القاتم ويحمله ويطير ليصبحا ليلكي غَنِج .. يتراقص لولبيا فيؤطر الفضاء بشعاع من لهب .. تشكيلات خلابة من رقصة اللون والضوء ... شد وجذب .. انفجار وانطفاء .. لمعان وخفوت .. ومضات متلألئة ...

وشوشات

هي : أذهبُ  في أول السطر                                 
هو : أُقلَبُ البهجة بالخيال المتقد

هي : يسكن اضلاعي وجه يغسله الشعاع                       
هو : ظمآن ينتظر ميعاد المطر

هي: باتت الريح تنعس عندي الآن                              
هو : صرتُ انسج للشمس وشاحا

هي : أمتزج بماء العينين                                        
 هو : أركع لدفء القدمين

هي : حنيني يغمرني                                              
هو: ليلي يشتعل

هي : فك قيدي من دوامة الزوبعة في قلب الإعصار          
هو : الخلاص هناك في اشتعال القبلة الأولى

هي: ابتعد !!... دروبي ضيقة                                    
هو: تتفتح  الورود على مهلها

هي : مهاجرة .. وانتعل الريح                                   
هو: مسافر لحدود الموت

هي : متقلبة ... ولا أعد بالثبات                                  
هو : الموت هو الثبات الوحيد

هي: أخاف عليك من حماقاتي                                    
هو: الحماقة في هول الحروب الفارغة

هي: اخشى إغراقك .. فلا أعرف سوى الإفاضة              
هو: لابأس من إغراق وحش الدمار لتزهر الحياة

التماع ذكرى

نجهد طول حياة للبقاء على أهبة حزن ... فقد .. مصيبة  ... نحتاط لمباغتة سطوة الدنيا ... ندرب القلب على التجلد .. نمنع عنه ري الحنان لييبس وينشف جذعه ... ليحتمل ما سيلقى اليه من محن ...  ونبني تلك الأسوار العالية الحصينة ... لتمنع فيروس الأمل من ثقب ثغرة قد تنفذ الينا منها الأحزان فتضربنا في مقتل ... نتعلم ونتدرب بهمة لتحييد تأثير الفجيعة فينا ولا تبخل علينا الدنيا بالفجيعة مرة تلو الأخرى لنتقن صنعة الكآبة... فنركن الى ترتيباتنا لحماية قلب القلب من هبوب الدنيا ، فقط عندما نظن أننا وصلنا لحظة التمكن والأمان في اليأس... ينطلق سهم طائش  .. يرشق في سوداء القلب ... في لحظة .. ومضة ...  يباغتنا الفرح .... تداهمنا البهجة .... وتثور الدهشة وتزلزل المكان ... تتفجر شلالات مجنونة ... تلامس العمق برؤوس ألأنامل .. بفيضان حنين ... تتسلق الورود  أسوارك من الداخل  .. تتآكل تلك الأسوار الحصينة بملامسة الورود ... بلحظة عين لا أكثر...  تتحول أسواري غبار وتنهار الحدود !
هناك عند تقاطع اختلاج الذاكرة وانبثاق الحس ... من ركن رعشة غير مرئية من الشفتين .. استيقظ حريق القبلة الأولى .. حمم فيضان إنصهار جارف .. هادر ... يعلو متراشقا ملتهبا  .. لتضطرم نارالعينين المقدسة  .. تشب وتعلو ... تأنس وتضيء  .. اهتز الكون .. فتبعثرت كواكبه على مساحاتي .. مضيئة .. تقترب بحنو .. فيما تجتاز السديم الكوني الفاصل ما بين المجرات لتزداد توهجا ... أكثر دفئا .. أكثر وضاءة .. أكثر .. أكثر
تزهر شهيتي بك ... أفزع... أقفز الى الوراء متراجعة ...  أمهلني بضعة دقائق ألملم نفسي المبعثرة ... أعجز عن استيعاب ما يحدث ... كيف تترافق عربدة الجسد وصلاة الروح ؟؟؟!! ... هل تلَبسني شيطان ... أو مسني ملاك ... أنا ابنة التراب ... أو صنيعة السماء ؟؟؟!!! ... لا أدري ... ما عدت أدري !!
التقى البحران ... ونشأ برزخ غامض .. يجمع الماء العذب مع الملح الأجاج ... لا يبغيان ... لا يلتحمان.. لا ينفصلان ... في تلك المساحة الغير متحققة من الاندغام ... في تلك اللحظة الدقيقة من بلوغ الوتر لأقصى شدته وتوتره .. لحظة ما قبل انظلاق السهم .. طفق يرتشف القبلة الأولى من حد السكاكين ...يلتهم الشفتين ويمتشق اعلان الحرب على الأوثان .... نحطم الأوثان القابعة في العمق معا ... نذوب في القبلة ... في طقس ممتد طوال أيام وليال ..  نختبر رش قطرات الندىًً للروح ... تُسَكب على الجسد....  صوت لتنهدات استيقاظ الحياة  .... تنام كفيه على حرير الصدر ..  فتوقظ توهج بهجة الثديين ... وصدر يرسل الامواج ويغرقه ...  وعناق أذرع في لحظة الانتشال من الفناء... همس العينين : ذوبي وذوبيني... رذاذ ينهض  سريان خدر في ثنية الركبتين... التصاق السُرة بالثدي ... جمر يأتي من بين الفخذين ... نصف غريق ونصف حريق وكل يختبر خلق الكون بل الأكوان ... رحيق يتدفق .. شهد يسيل .. وأذوب امتلاءً بك ... وأتلاشى ذوبانا ... صرتَ فيَ ..صرتُ فيك ...  ... شعلة النور .. تنزلق ... تسري وتحط اينما تشتهي .
طقوس لعبادة آلهة الصمت ... كنت كنحات أعمى أعيد تشكيل قسمات وجهه ... جسده ... كل عرق نابض ... كل ارتفاع لعضلة نافرة ... كل انحناء حاد ... انسياب الصدر ... توتر الفخذين ... تناسق الساقين ... شدة الأرداف .. وانتصاب الذكورة .. أقرأ حروفه المنيرة .. بتلمس مسامات الأنامل ... أعركه .. أدعكه ...تخلقه اناملي بقوة وعنف ... بخفة ونعومة ..  أعيد خلقه مرارا ... ويجرفني الخلق الى خلقي ... فتنشأ بداخلي عوالم مضيئة .. شموس سابحة في حركة انسيابية .. خافتة .. باهرة ... وأدور ... أدور ... في تجلي الرقصات الصوفية ... أفق واسع يغري بالطيران ... ونرتقي في تلك العوالم الخلابة ... في قمة السموات تجلت منه نظرة الطمأنينة.. يرى في احدى عينيها  من لمَا يولد من صلبه.. تضمه اليها وتحني ظهرها قليلا وتتأمله يرضع الثدي في رحمة إله .. يمتص حليب الغواية والامتلاء ... واخرى تهديه أطفالا يأخذونه في رحلة الجذل والصخب ... في عراك مليء بالقهقهات على عشب أخضر الامنيات .. الأمان يلوح لي من عمق نظرته الكسلى الخدرة ... المقاتل الشرس .. وصل في غفلة من الموت داره ... دار الأمان ... لاح الأمان !

شاق هو الفراق

شققنا الجبل صامتين .. تتعانق الأيدي ... يقبض على يدي بقوة كأنما يخاف ضياعي .. وأنا أتعلق بذراعه حتى لا أسقط في جرف عميق من البعد... شارفنا على نهاية الجبل وانحدرنا الى سفحه تمتم وهو يريح رأسي على صدره: هل انت الممكن ام المستحيل ؟... عندما لا أحسك تكونين هناك في الفراغ ما بيني وبيني ...  همست وكفي ترحل على وجنته: فراخي لما تختبر الطيران بعد .. يجب ان أعود لأرافقها في رحلة الطيران الأولى ... سأل : متى ؟ .. اجبت : غدا قبيل الفجر ... زفر زفرة حرَى واحتضنني بقوة... وشوشته : سيملأني شوقي اليك ... حدث نفسه : وحدتي ستزيدني التصاقا بك  ..
يوم الفراق ...ذلك الجرح الراعف ... حاولت التحايل عليه بالضماد .. ارتق النزيف بثرثرة فارغة وصدى قهقهات مجروحة .... في عمق الصخب الذي اختلقته كي لا احدق في عينيه .. أنا لا أجروء على قراءة نظراته الشاردة ... وفيما اتابع الثرثرة ... لسعتني على ظهر يدي قطرة حريق متساقطة... تذيب الجلد وتشعل العظم ... تابعت مصدر قطرة الأسيد ... رفعت وجهي لأرى وجه الرجل الصخري مغرورقا بالعبرات ... نزيف متلاحق من الدموع ... صامتة ... مريرة ... خرساء !
توقف الزمن .. تجمد المكان ... مات الكل .. الا تلك العبرات ... تركز فيها الكون وهي تسفح ذاتها بإغداق ... ما عدت استطيع تجاهل الحزن المخيم ... شربت عبراته بقبلاتي الملهوفة ... تلحست وجهه كغزالة تلحس وليدها لتساعده بالوقوف على قدميه بعد كرب الولادة ... دفنت رأسه في صدري فيما علا نشيجي ليصل رب السموات جميعاا!
تركني ليفرش الأعشاب لسريرنا في ليلتنا الأخيرة ... ومضى الى شق في الصخر فأخرج منه لفافة ... تقدم الي وناولني اياها ... فتحت اللفافة فإذا هي ملابسي !! ... أذهلتني المفاجأة ... فقد فقدت ملابسي على شاطيء البحر البعيد .. وكنت وحيدة ؟؟!! ... سألته : هل كنتَ هناك ؟؟ .. أجاب بهدوء : نعم .
في تلك الليلة كان البنفسج لون الغروب ... تسرب الظلام فانقلب الليلكي يحتضن النجوم ... استلقينا على ظهرينا متلاصقين ... صامتين ... نشبك الذراعين والساقين ... ونحملق في السماء الحالكة الا من نجوم باكية ... ترسل شعاعها الخافت وتختفي كلما أنت ... أو زفرت ... مثلما تفعل نساء الجبال عندما تثكل ... أرخى الحزن جدائله الثقيلة وأستاره الخانقة ... وسرت المرارة في الكون ...
سألت وانا احملق في السماء واتجنب رؤياه : ماذا سيكون الآن ؟
أجاب وهو يتجنب أن يراني كذلك : ما يحدث دائما .. سيولد يوم جديد
شهقت وانا اكتم عبرة : لا أفهم لما كان اللقاء اذا كان المصير هو الفراق ... تمتم : ما كان هو اقتحام المجهول بفورة الغضب .. تحدي المستقبل وما يحدث الان هو أنس بالقادم ، كان عندي رجاء خائب على ان يقتلني أحدهم في مرة قبل ان اقتله ... فوجئت بك  تستلين حياتي من براثن الموت.. كنت تبحثين عن الموت ..  وستنطلقين تبحثين عن الحياة .
همست : هل سنلتقي بعد
أجاب : وهل الفراق الا وعد لقاء .



ليست هناك تعليقات: